انطلقت الدورة الأولى لمهرجان الشارقة للشعر النبطي في العام 1983، وعُقدت آنذاك في قاعة إفريقيا بالشارقة، وتزامنت تلك الدورة التأسيسية للمهرجان مع بدايات عمل دائرة الثقافة، أي أن الشعر النبطي، ومنذ أولى الأفكار والرؤى لمشروع الشارقة الثقافي، كان على رأس أولويات أنشطة الدائرة التي تنظم المهرجان إلى اليوم، وبعد عقود من الزمن، بحرفية إدارية وفنية، جعلت من هذا الحدث الثقافي الأدبي ظاهرة جمالية منتظمة، والأولى عربياً، في موازاة مهرجانات الشعر العربية المعنية بشكل رئيسي بالشعر الفصيح.
وازنت الشارقة بين الشعر الفصيح والشعر النبطي، وكرّمت الشعراء الرواد والكبار في الفصيح والنبطي، وأوجدت جوائز تكريمية للنابغين في الأدبين الشعريين، وصدر عن الدائرة مجلّات متخصصة في الشعر النبطي، مثلما صدر عنها مجلات متخصصة في الشعر الفصيح.
بيوت الشعر في البلدان العربية يقابلها مراكز للشعر النبطي في الشارقة، وإصدارات الشعر تنشر دائماً بعناوين فصحى وعناوين نبطية، وجمهور الشعر في الإمارات جمهور فصحى وجمهور نبطي، والإعلام الثقافي الإماراتي يحتفي بثقافة الشعر الفصيح، كما يحتفي بثقافة الشعر النبطي، ولشعراء النبط في الإمارات اعتبارية أدبية وثقافية واجتماعية في موازاة الاعتبارية المعنوية العالية التي يحظى بها شعراء الفصحى..
يؤشر هذا التوازي الاعتباري والثقافي والإعلامي بين شعر النبط وشعر الفصحى، إلى العلاقة التاريخية اللغوية بين هذين الفنّين المعتبرين في الإمارات وفي منطقة الخليج العربي.
من زاوية لغوية، بلاغية، معجمية واشتقاقية، تحمل المفردة النبطية سمات وخصائص المفردة الفصحى، لا بل إن الكثير من المفردات أو الكلمات الفصيحة هي في الأصل نبطية قيلت بلسان شعبي، ومع الزمن الثقافي واللغوي تحوّلت هذه الأصول النبطية إلى لغة فصحى.
في الشعر العربي الفصيح، هناك أثر من لغة النبطي، وفي الشعر العربي النبطي هناك أثر من لغة الفصيح، ولهذا، فلا يوجد تعريفان للشعر: واحد يقوم على النبطي، وآخر يقوم على الفصيح، بل هناك تعريف واحد للشعر، لأن الأصل اللغوي للشعرين هو أصل واحد.
من حيث الأوزان والعروض والبحور، هناك تشابه في التقطيع الوزني وفي التفعيلة، ولكن لا يوجد تطابق بين تفعيلات أو أوزان الفصيح والنبطي، ذلك أن الفصيح محكوم دائماً بالكتابة، في حين أن النبطي محكوم بالشفاهية. الشعر النبطي قول، في حين أن الشعر الفصيح كتابة أو تدوين أو خَط.
ثقافة لغوية وعروضية وجمالية مقارنة وغنية بالفكر المتصل بفن الشعر، أوجدها مهرجان الشارقة للشعر النبطي منذ أوائل الثمانينات، هي ثقافة «ديوان العرب» بمجلسيه المتجاورين: مجلس الفصيح، ومجلس النبطي.
[email protected]
0 تعليق