الجزائر وأوروبا.. التوازن مطلوب في الشراكة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

كمال بالهادي

العلاقات بين الجزائر وأوروبا، متوترة حيناً ومستقرة أحياناً أخرى، سياسة الشد والجذب بين الجزائر وباريس، تؤثرفي العلاقة بين الجزائر وبروكسل، وآخر صفحات هذا التوتر مطالبة الجزائر بمراجعة اتفاقية الشراكة بين الطرفين، وفي ذلك أكثر من دلالة على رغبة الجزائر في تنويع البدائل الاقتصادية.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قال إن مراجعة اتفاق الشراكة بين الجانبين ترتكز على مبدأ «رابح-رابح»، مشيراً إلى أن هذه المراجعة تهدف إلى دعم التعاون الثنائي وليس على خلفية أي نزاع. وقال: إن مراجعة الاتفاق لا تهدف إلى خلق توترات، بل تهدف إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية القائمة بين الطرفين. وأضاف تبون أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون متكافئة، حيث إن الجزائر شهدت تطوراً ملحوظاً في تنوع صادراتها، خاصة في مجالات الإنتاج الفلاحي والمعادن والإسمنت والمواد الغذائية، بعد أن كانت صادراتها تعتمد بشكل أساسي على المحروقات منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 2005.
وعلى الرغم من المسحة الدبلوماسية في كلام الرئيس الجزائري عن الرغبة في تطوير المبادلات مع أوروبا إلا أنّ الكلمة المفتاح في خطابه هي في غياب التوازن، وبالتالي تضرر اقتصاد الجزائر من هذه الشراكة، بدل أن يكون الربح مناصفة. والحقيقة أن هذه الاتفاقية تشهد تفاعلات منذ شهر يونيو(حزيران) الماضي حينما أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي عن «تفعيل إجراءات لتسوية المنازعات مع الجزائر»، معترضة على قرارات نفذتها الجزائر منذ 2021 تهدف إلى تنظيم الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي.
وشملت القرارات التي وصفتها المفوضية الأوروبية بأنها «تقييدية»، نظام تراخيص الاستيراد وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات، وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات الأجنبية.
وفهمت الأوساط السياسية والإعلامية في الجزائر، حينها، أن الاتحاد الأوروبي يلوّح بعقوبات ضد الجزائر، خصوصاً عندما ذكر أنه يعتزم اللجوء إلى التحكيم، بحجة أن التدابير التي اتخذتها، «تخرق اتفاق الشراكة» بين الطرفين، الذي يجري تنفيذه منذ 2005. وقد ردّ وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، بعد ذلك على سؤال له يستفسر عن مصير اتفاقية الشراكة بين الطرفين، وقدّم أرقاماً وحقائق تثبت غياب التوازن بين الشريكين التجاريين. إذ أشار عطاف إلى أن «الإحصائيات الخاصة بالمبادلات التجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وتقديرات الأضرار التي تذرعت بها المفوضية الأوروبية لتبرير فتح هذا النزاع، لا تعبر عن حقيقة الوضع. فالتدابير التجارية المتخذة من قبل الجزائر لم تؤثر فعلياً في حجم هذه المبادلات، في ظل النظام التفضيلي لاتفاق الشراكة. وخلافاً لذلك سجلت ارتفاعاً بنسبة تفوق 20% سنة 2023 مقارنة بسنة 2022، وبنسبة 15% في الثلث الأول من سنة 2024 مقارنة بنفس الفترة لسنة 2023». وأفاد الوزير بأن اتفاق الشراكة «أظهر اختلالات كبيرة وعدم مسايرته للواقع الحالي للجزائر، فالصيغة الحالية للاتفاق تكرس الاستمرار في نمط الاستيراد عوض الاستثمار والاقتصاد المنتج، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن بين مصالح الطرفين لصالح الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يتنافى مع جوهر الاتفاق ومقصده الرئيسي».
كما أشار عطاف إلى «العجز المزمن الذي يميز الميزان التجاري خارج المحروقات، منذ دخول اتفاق الشراكة حيز التنفيذ عام 2005. ففي الوقت الذي بلغ فيه حجم المبادلات التجارية تقريباً 1000 مليار دولار، لم تتجاوز استثمارات الاتحاد الأوروبي 13 مليار دولار، غالبيتها العظمى في قطاع المحروقات مقابل تحويل أرباح بقيمة 12 مليار دولار في الفترة الممتدة من 2005 إلى 2022». مشدداً على أن «هذا الاختلال الكبير دفع رئيس الجمهورية إلى إسداء تعليمات بمراجعة اتفاق الشراكة بنداً بنداً، بنظرة سيادية ووفق مقاربة رابح – رابح، مع مراعاة مصلحة المنتج الوطني لاستحداث نسيج صناعي ومناصب شغل، وهي مراجعة تحضر لها دائرتنا الوزارية مع مختلف القطاعات الوزارية المعنية». وتابع الوزير، أن اتفاق الشراكة لم تدخل عليه أي إجراءات ثنائية شاملة، وأن ما تم حتى الساعة كان، حسبه، مراجعة جزئية تتعلق بمخطط التفكيك الجمركي وذلك سنة 2010. ثم جرى تقييم مشترك بطلب من الجزائر في 2015، وتقييم آخر للاتفاقيات التجارية التفضيلية في 2020.
الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول للجزائر، ومن هذا المنطلق فإن مراجعة اتفاقية الشراكة لا تعني تحولاً جذرياً في العلاقات الاقتصادية لبلد لمليون ونصف المليون شهيد، وإنما تعني أن تكون شراكة قائمة على توازن، خاصة أن الجزائر لديها من الموارد ما يفرض أن تكون رابحة هي أيضاً في هذه العلاقة لا أن تظل تعاني عجزاً تجارياً كبيراً مع الشريك الأوروبي. والحقيقة الثانية أن بدائل الجزائر كثيرة، فهناك الشريك الصيني الذي يرفع علاقاته الاقتصادية معها وهناك الشريك الروسي والاتحاد الإفريقي وحتى الولايات المتحدة الراغبة في أن تكون شريكاً قوياً للجزائر. وربما تشهد فترة ترامب تغيراً نوعياً في هذه العلاقة. وعليه فإن الأوروبيين ملزمون بمراجعة تستجيب هذه المرة لشروط الجزائر.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق