هل أنت فخور بأنك لا تسمح للقلق حتى بالاقتراب من أسوار قلعة حياتك؟ لقد آن لك تغيير قناعتك وموقفك. قل على منوال بيت المتنبي: «قلقٌ على قلقٍ ومثلي يَقلقُ.. وأزيدني قلقاً، وكم أستقلقُ». لا عليك، إذا كانت العرب لم تنطق قط بوزن استفعل من هذا الثلاثي، أي طلب القلق. لم يكن الناس يعرفون هذه البدعة البديعة، إلى أن جاء الكاتب الشهير أستاذ جامعة هارفارد، آرثر بروكس، منادياً بأن من فرّ من القلق هجرته السعادة. بترجمتنا الإيمانية: «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» (البقرة 216).
الموقع العلمي الفرنسي «فوتورا سيانس» (9 فبراير) نشر مقالاً رمى فيه مرميين بسهم، وأطعم عصفورين بحبّة، فصبّ على الهاتف الجوّال سيل تُهم، وأخرج يد القلق بيضاء من غير سوء، تحت عنوان: «هذا الخطأ الواجب الدرء، من أجل سعادتكم». ظاهر الدعوة نابع من علم النفس والطب النفسي والعلوم العصبيّة: «لأن الهاتف النقّال عقبة دون سلامتنا المعنويّة. الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة يحرمنا عنصراً أساسياً يتمثل في أوقات القلق، الذي هو محفّز رئيسي لنموّنا الشخصي».
يشرح بروكس كيف أن «تلك الفترات التي تبدو فراغاً، تتيح للذهن أن يتسكّع بحرية، مفسحاً المجال للتفكّر العميق في كنه وجودنا». يؤكد الأستاذ الهارفاردي «أهمية طرح الأسئلة الوجودية، من قبيل: ما هو معنى حياتي (خيّاميّاً: لبست ثوب العيش لم أستشرْ)؟ لماذا أنا هنا؟ لماذا أنا مستعد للتضحية بكل شيء؟ هذه الاستفهامات، مع أنها لا تجد بالضرورة أجوبةً فوريةً، إلا أنها أساسية لشق دروب نحو السعادة والتنمية الذاتية».
الطبيب النفسي الفرنسي باتريك لوموان مؤلف كتاب «في مديح القلق»، يذكر أن أوقات القلق تسمح للدماغ بالاستراحة وانبثاق الإبداع. آرثر بروكس يقطع قول كل خطيب بطريقة استفزازيّة: «إن أفضل طريقة لعدم التقدم في البحث عن المعنى، هي أن تظل عاكفاً على شاشة هاتفك، فتعلّم كيف تقلق. أطلِقِ الذهن يسرح في شواطئ بلا جوّال. مارس التأملات. أرسل قدميك في جولات بلا غاية محددة».
قال القلم: لي تعقيبان. الأول: متفق عليه، وهو أن القلق هو الذي جعل الإنسان منذ عشرات آلاف السنين، يبدع الرسم في الكهوف. الآخر: من أبلغ الأمثال الشعبية العربية، أمثال الجنوب الشرقي الجزائري. عندما يرى أحدهم شخصاً به قلق وجودي لا يعرف سببه، يقول له ما معناه: «أضِعْ جملك ثمّ اعثر عليه». حينئذ، تشرق السعادة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الحذريّة: لك أن تسعى إلى القلق راكضاً، شريطة ألاّ تنسى السعادة تلهث وراءك.
0 تعليق