تحذير من خطر «غورباتشوف أمريكي» - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. محمد السعيد إدريس

التوصيف الذى أطلقه التلفزيون الروسي الحكومى على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وما يخوضه من صراعات داخلية في مواجهة «الدولة العميقة» الأمريكية بمؤسساتها القوية الصلبة خاصة المخابرات وبالذات مكتب التحقيقات الفيدرالية والمؤسسة العسكرية وبالتحديد البنتاغون امتداداً إلى المؤسسة القضائية تحت شعار «محاربة الفساد» واستعادة أمريكا قوية مرة أخرى، واعتبار مثل هذا الصراع الأمريكي الداخلي وجهاً آخر للصراع الذى قاده الرئيس السوفييتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف تحت شعار «البيروسترويكا» و«الغلاسنوست» بمعنى «إعادة البناء» و«الشفافية»، والتي أدت في النهاية إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي.
اعتبار ترامب مثل غورباتشوف تطور جديد في الدعاية الروسية ضد الولايات المتحدة حيث أبدى المخرج السينمائي والمحلل السياسي «كارين شاخنازاروف» وجهة نظره خلال برنامج بثته قناة
«روسيا -1» التي وصفتها مجلة «نيوزويك» الأمريكية بأنها «مثيرة» والتي قال فيها شاخنازاروف إن هذه السياسات ستؤدي حتماً إلى «انهيار الولايات المتحدة»، مشيداً بما وصفه ب«السعي النبيل لترامب في تدمير النظام الأمريكي الحالي».
هذه التصريحات التي قد لا تعكس الموقف الرسمي الروسي حيث يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاء الرئيس الأمريكي ترامب بهدف إيجاد «حل سياسي سريع» للأزمة الأوكرانية، رغم ذلك، رؤية روسية جديدة قد تجد أصداءها لدى الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، إضافة إلى كل من تطاول عليهم الرئيس الأمريكي بسياساته ودعواته الاستعلائية وتهديداته غير المسبوقة وبالتحديد لكندا والمكسيك والصين، وهي الدول التى تعرضت لفرض تعريفات جمركية عالية على صادراتها إلى الولايات المتحدة، لكن الصدى الأهم والأوسع سيكون داخل الولايات المتحدة سواء على مستوى الطبقة السياسية الحاكمة وفي القلب منها الحزب الديمقراطي والمناوئون لترامب داخل الحزب الجمهوري الحاكم، أو على مستوى الرأي العام الأمريكي والقطاعات الشعبية الأوسع بسبب ما وصفه الأمريكيون ب«مجزرة الإقالات» لما يزيد على الألف موظف في مختلف أجهزة الحكم تحت غطاء «عدم توافق هؤلاء مع رؤيته لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» وكان ترامب قد استبق هذا الإجراء، بالإعلان أثناء حملته الانتخابية أنه «أعد قائمة مملوءة بمن ناصبوه العداء سياسياً أو سعوا إلى محاسبته على محاولته إلغاء خسارته في انتخابات 2020، ودوره في اقتحام مبنى الكابيتول (الكونجرس) في 6 يناير/ كانون الثاني 2021».
سياسات الطرد والتطهير هذه التي يقودها فريق ترامب وعلى رأسه الملياردير إيلون ماسك امتدت إلى وكالات ومؤسسات حكومية مهمة منها «وكالة التعاون الدولي» التي جرى إلغاؤها، فخلال الأسبوعين الماضيين سيطر إيلون ماسك، وفقاً لما كتبه الكاتب الإسرائيلي «أورييلداسكال» في مقال بموقع «واللاه» العبري على أنظمة البيانات المالية الأمريكية، وألغى فريقه المعاون بناء على تعليماته بروتوكولات أمنية حساسة، وطردوا مسؤولين كباراً، وأغلقوا وكالة حكومية كاملة.
وفي محاولة لتوصيف مدى خطورة ما يفعله إيلون ماسك وفريقه بدعم وتعليمات من ترامب اعتبر هذا الكاتب الإسرائيلي أن اقتراح ترامب بشأن «الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير أهله إلى الخارج» هو بالضبط «محاولة لتحويل الأنظار عما يحدث في واشنطن» وشرح رؤيته بالقول إنه «بينما تنشغل وسائل الإعلام برؤية ترامب لغزة، يجري في واشنطن تفكيك منهجي وسريع للحكومة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية».
وتأكيداً لصحة ذلك فإنه تحت شعار «محاربة الفساد» في المؤسسات الحكومية الأمريكية يجري تدمير تلك المؤسسات، حيث أرسلت إدارة ترامب رسائل بريد إلكتروني إلى جميع موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية تعرض عليهم «التعويض مقابل الاستقالة» في خطوة تهدف إلى إضعاف الأجهزة الأمنية.
كما يطالب ترامب بالكشف عن هويات أسماء ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين حققوا في أحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، مما يعرضهم وعائلاتهم لخطر جسيم، كما يعمل إيلون ماسك وفريقه في «دائرة الكفاءة الحكومية»، التي أخذت تتحول إلى جهاز وأداة للانتقام من كل من عارضوا ترامب وكل من لا يدينون له بالولاء تحت مسمى «محاربة الفساد» بمساندة من «جي. دي فانس» نائب الرئيس، على طرد من يسمونهم ب«أسوأ واحد في المئة من القضاة المعينين» واستئصال من يسمونهم ب«الأكثر فساداً والأقل كفاءة».
المسار الذى يخوضه ترامب، الذى أعلن مؤخراً تحديه للدستور الأمريكي الذي يقصر فرص أي شخص في رئاسة الجمهورية بفترتين فقط، وتأكيد عزمه على الترشح لفترة رئاسية ثالثة بعد انتهاء رئاسته الحالية عام 2028، يكشف عن ارتكاز ترامب في إدارته للدولة على «قاعدة الولاء الشخصي على حساب قاعدة الكفاءة والنزاهة» وهنا تكمن الخطورة على مستقبل الولايات المتحدة. فإذا كان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن، قد حذر في آخر خطاباته من أن الولايات المتحدة تتجه لسيطرة حكم «أوليجاركي» بمعنى حكم «الأقلية المستبدة» فإن ما يحدث الآن في ظل تحالف ترامب مع إيلون ماسك وكبار المليارديرات الأمريكيين من الأقلية «فاحشة الثراء»، يحمل خطر انزلاق الولايات المتحدة إلى منحدر السقوط الذى تنبأ به الكاتب الروسي «كارين شاخنازاروف» على أيدي «غورباتشوف الأمريكي».

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق