الحرب.. والحل السياسي - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. ناجى صادق شراب

هل يمكن وضع حد للحرب الإسرائيلية على غزة من خلال الحل السياسي؟ هذا يتوقف على نتيجة الحرب وماهيتها. فالحرب بالنسبة لإسرائيل وسيلتها الوحيدة لتحقيق أهدافها، لذلك كان هدفها منذ قيامها إنشاء جيش قوي قادر على خوض حروب خاطفة لفرض أطماعها التوسعية على الطرف الأخر. والسؤال ماذا تريد إسرائيل من حربها الآن على غزة؟ ثم هل حققت حروبها العديدة على غزة والدول العربية ما تريد؟
باستقراء تاريخ الحروب السابقة كانت النتيجة الحتمية هي فشل خيار الحرب في الوصول إلى تسوية سياسية تحقق الأمن والاستقرار والسلام والعدل. وفى حالة إسرائيل هل حققت أمنها واستقرارها رغم تفوقها العسكري؟ الإجابة بلا، وهذا ما أثبتته الحرب الآن على غزة الصغيرة مساحة والأقل قوة رغم ما ألحقته من دمار شامل. فلا إسرائيل قادرة على محو الشعب الفلسطيني ولا على استسلامه، وما زال يملك القدرة على المقاومة ورفض الاحتلال.
الحل السياسي تفرضه وقائع كثيرة على الأرض من بينها الجغرافيا والقدرة على المقاومة وتوفر استمرار الإمداد اللوجستي والبشري ونوعية السلاح القادر على مواجهة سلاح العدو. لكن ما يدعم نضال الشعب الفلسطيني أن الفلسطينيين ليسوا مجرد جماعات سكانية بل هم شعب له هويته الوطنية والقومية وتاريخه الطويل على هذه الأرض الذي يسبق الوجود اليهودي. وهناك حقيقة تاريخية غائبة هي أن اليهود وحتى الهجرة الأولى كانوا يعيشون كشعب واحد مع الفلسطينيين ولم تظهر بوادر الصراع إلا مع الهجرة الثانية في عشرينات القرن الماضي عندما بدأت تظهر سياسات الاقتلاع والقوة والسيطرة على الأرض ومحاولة نفى صاحب الأرض والحيلولة دون قيام الدولة الواحدة، فكان يفترض أن نظام الانتداب البريطاني، الذي فرض على فلسطين كما بقية الدول العربية الأخرى، أن يكون هدفه العمل على قيام الدولة الواحدة لكل ساكني فلسطين، لكن الهدف كان تنفيذ وعد بلفور وتحقيق هدف التحالف الصهيوني الاستعماري بقيام الوطن القومي اليهودي، والمقصود قيام الدولة اليهودية أو دولة الكل اليهودي التي لا يمكن أن تقوم إلا على حساب قيام الدولة الفلسطينية وعلى حساب السيطرة على الأرض وتهجير سكانها.
هذا ملخص تاريخ ما حدث، وهذا ما يفسر لنا استمرار الصراع والعنف والحروب بين من له حق في أرضه وبين من يريد أن يفرض دولته من خلال تثبيت أساطير وسرديات ثبت فشلها ك«أرض الميعاد» و«أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» و«الأرض الموعودة» و«يهودا والسامرة».
هذا الفشل تجسده الحرب الآن على غزة. فلا بديل للحرب إلا بالحل السياسي الذي يعترف بالفلسطينيين كشعب لهم حقوقهم الثابتة تاريخياً والمدعومة دولياً وقيام دولتهم المستقلة المعترف بها من قبل 149 دولة ولها صفة المراقب في الأمم المتحدة وحقهم في تقرير مصيرهم.
وكما يقول جورج كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق: إن صناعة السلام أصعب من صناعة الحرب، فالحرب تقوم بقرار نخبة من العسكر والساسة أما السلام فهو قرار شعب. ويقول اللورد البريطاني بيتر هيني وهو وزير سابق للشرق الأوسط: «إن المفاوضات الصعبة تحقق ما لا تستطيع القنابل تحقيقه». ويضيف: «إن الدروس المستفادة من جميع الصراعات الحديثة يجب أن تكون، بأن فشل الأقوياء في إنهاء الظلم والتفاوض على حل، يولد التطرف، وعندما لا تنجح السياسة فإن العنف يملأ الفراغ. وعليه لا يوجد حل غير الحل السياسي وأساسه إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المدنية والبحث عن صيغ للتعايش. ولا يمكن لإسرائيل تحقيق أمنها على حساب أمن الشعب الفلسطيني.
هذا ما أثبته تاريخ الصراع والحروب، وما أثبتته الحرب الآن على غزة. فالبديل للحل السلمي، العنف وانتشار الكراهية والحقد والعنصرية والاستعلاء القومى. ولعل ما كتبه الفيلسوف الصيني آمارتا صن ينطبق على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية ويفسر لنا لماذا الحرب والصراع في كتابه «الهوية والعنف» بقوله: إن العنف هو نتيجة للآثار المروعة لتصغير الناس. هذا الكلام ينطبق على العقلية اليوم التي لا تعترف بالفلسطينيين على أنهم شعب، وهذا ما يردده نتنياهو نفسه الذي لا يستخدم كلمة شعب بل كلمة السكان ووزير ماليته سموتريتش الذي ينفي وجود شعب فلسطيني. هذه العقلية تقف وراء رفض أي حل سياسي ونتيجتها الحرب والقتل والتدمير.
ويبقى، أن الفلسطينيين كما هم في حاجة إلى الحل السياسي فإن إسرائيل أيضاً في حاجة إلى الحل السياسي والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال، ونبذ العنف وإحلال قيم التسامح والتعايش.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق