منطقة الأزمات والحلول - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ربما لم يتيسر للمنطقة العربية منذ زمن طويل أن تقف بصلابة، كما هو حاصل الآن، في خانة الفاعل الصادح بموقفه في وجه تحولات وخطط تستهدف تغيير ملامحها وترجيح موقف طرف في ميزان القوى الإقليمي على حساب بقية الأطراف.
ومرةّ أخرى، لا مجافاة للحقيقة في اختزال المنطقة في عدد من دولها الفاعلة والمؤثرة عربياً ودولياً، بفضل صلتها المباشرة بالقضايا والأزمات المتلاحقة، وقدرتها على التعامل مع القوى الدولية والتحرك السلس في مسارات العلاقات معها بأقل قدر من الخسائر، ومن غير الارتباط بتحالفات ضيقة وآنية.
اعتدنا أن تكون منطقتنا مسرحاً للأزمات، وبالإضافة إلى قضيتها المركزية: فلسطين وما تفرضه من صراعات متوالية، لا تستقر الخريطة العربية طويلاً ودائماً ما تكون موضع تجاذبات بين القوى الكبرى، ومطمع بعضها، ومحور تهديد جيران في الإقليم، وكل ذلك يزيد قائمة الدول العربية المأزومة التي تتحول ملفاتها إلى ساحات إضافية للتدخل والتنافس بين أطراف دولية.
وغالباً ما كانت الحلول تأتي من خارج المنطقة، وبعضها يتجاهل حكماءها ومصالح شعوبها، غير أننا قد نكون الآن أمام تحول في هذا الجانب تقوده زعامات عربية تشترك في منهج واضح للتعامل مع العالم.
يقوم هذا المنهج على مراعاة المصالح الوطنية والقومية أولاً، وعدم الرهان على حليف واحد أو حلف يُعمي عن قيمة تنويع العلاقات الدولية وتعدد الرؤى في التعامل مع الأمور، خاصة الأزمات.
بهذا المنهج، امتلك هذا التوجه العربي قدرة أكبر على الدفاع عن مصالح الدول والمنطقة، والمناورة التي تستهدف تحقيقها، والسعي بين كل الأطراف الدولية الكبرى بكل جهد يخدم الاستقرار في العالم ويرسي قواعد التعايش، وتحديداً في منطقتنا.
إن تعامل القوى العربية الفاعلة مع ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة ترجمة لهذا المنهج، فالرفض القاطع ليس تعبيراً عن مبادئ ثابتة تخص قضية فلسطين فحسب، بل هو عنوان مرحلة جديدة للتعامل مع القوى الكبرى لا تنقصها الصراحة والمباشرة، ولا تحتاج إلى التشنج، وتجني ثمرة بناء علاقات في كل الاتجاهات؛ تحسباً لكل شئ.
والأهم من ذلك، أن الموقف العربي لم يبق رهين الأزمة، بل انطوى سريعاً على حلول هي الأقرب لطبيعة المنطقة وخصوصية جغرافيتها وتاريخها. ورأينا في نتائج ذلك تراجع ترامب عن خطته والتحول من الإصرار على تنفيذها والثقة بنجاح ذلك إلى اعتبارها مجرد توصية كان يعتبرها جيدة ولم يتوقع رفضها.
وقد يكون هذا تراجعاً مرحلياً أو مراوغاً، إنما لا شك في أنه ثمرة الرفض العربي الذي سمعته واشنطن من الأصوات العربية الفاعلة، ومعه الحلول.
ولا شك أن الأزمة لن تنتهي بهذه السهولة، ويجب أن يبقى الموقف العربي واضحاً في الاجتماعات العربية الرسمية والأخوية، وفي اللقاءات مع كل المسؤولين الغربيين، وأن يأخذ شكله الجماعي في قمة القاهرة المنتظرة، بوصفه حلاً، لا أزمة.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق