«ظل ميركل» ومعضلة ألمانيا - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

انتهت الانتخابات التشريعية الألمانية وتطابقت نتائجها مع استطلاعات الرأي المعروفة قبل الاقتراع.
لقد مُني الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار المستقيل أولاف شولتس بهزيمة كارثية، وعاد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي إلى صدارة المشهد مجدداً، تلاه حزب «البديل» اليميني المتطرف الذي شكل مفاجأة بمضاعفة عدد مقاعده في البرلمان، ويكون القوة السياسية الثانية في البلاد.
هذه النتيجة لا تبدو مريحة لألمانيا في ظرف دولي يشهد تشابكات وتقاطعات، قد لا تتيح تشكيل حكومة قوية، في ظل معارضة يمينية متطرفة اكتسبت ثقة إضافية خلال هذا الاقتراع؛ ويأتيها دعم سياسي ومعنوي من غربي المحيط الأطلسي مصدره الإدارة الأمريكية الجديدة، ودعم آخر من الشرق مع نذر عودة روسيا إلى الساحة الدولية معززة بمكاسبها العسكرية والسياسية في أوكرانيا. فمنذ الساعات الأولى لصدور النتائج أعلن زعيم الاتحاد المسيحي فريديريش ميرتس أنه لن يشكل ائتلافاً مع «البديل»، وسيعمل على استقطاب أحزاب أخرى منها حزب شولتس، وتعهد بإعادة بناء ألمانيا واستعادة مجدها السابق. أما في السياسة الخارجية، فلا يبدو طريقه ميسّراً، ودخل بسرعة في صدام مع توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودعا إلى تعزيز قوة أوروبا بأسرع وقت ممكن حتى تحقيق الاستقلال الدفاعي عن الولايات المتحدة، كما أعرب عن يقينه بأن حلف شمال الأطلسي «الناتو» يواجه مشكلة، مشككاً في قدرة الحلف البقاء على وضعه الحالي.
من السابق لأوانه الحكم على المسار الذي ستسلكه ألمانيا في الفترة القليلة المقبلة حتى تشكيل حكومتها الجديدة، ولكن هناك إشارات تبعث على القلق منها ترحيب ترامب وحماسه «إلى المزيد من الانتصارات في المستقبل»، وشعور أحزاب أقصى اليمين في أوروبا بدفعة تاريخية لطموحاتها بعد النتائج التي حققها حزب «البديل»، ولذلك فإن من يعتبر الانتخابات الألمانية لحظة حاسمة، وقد تشكل منعرجاً لتماسك الاتحاد الأوروبي فهو على صواب، لأن الظروف الداخلية بسبب التضخم والركود الاقتصادي وزيادة الانقسامات بين دول التكتل، ووجود إدارة أمريكية، تتصرف مثل الخصم لا الحليف، كلها عوامل تجعل من الطموحات الألمانية تجابه تحديات ضخمة، رغم التطابق الشديد مع ما يؤمن به المستشار المحتمل فريدريش وما يطرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول ضرورة الاستقلال الأوروبي، لتكون القارة قطباً وازناً في مواجهة الأقطاب الأخرى، الولايات المتحدة وروسيا والصين.
قبل سبع سنوات، دخلت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وزعيمة الاتحاد المسيحي الذي يقوده ميرتس الآن، في مواجهة مفتوحة مع ترامب في ولايته الأولى، وكانت شديدة الصرامة في الدفاع عن المصالح الأوروبية، وشكلت محوراً مع فرنسا أمكن له الصمود سنوات طويلة، لكن التغيرات الجديدة وأهمها الحرب في أوكرانيا، ثم الخلافات مع الإدارة الأمريكية الحالية، تضع ألمانيا وسط تقاطعات شديدة التعقيد، وتتطلب وحدة داخلية قوية، وهو أمر مفقود، وميرتس ليس ميركل بل هو ظل من ظلالها. وفي ظل التباينات مع القوى السياسية الراهنة حول قضايا جوهرية، قد يتطلب التشاور أسابيع طويلة للتوافق على حكومة، يبدو أن الظروف لن تسمح لها بأن تكون قوية ومقتدرة على استيعاب التطورات المتسارعة في المسرحين الأوروبي والعالمي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق