قمة الرياض.. مفترق طرق عالمي - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

خالد راشد الزيودي*

تتجه الأنظار نحو القمة المنتظرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، التي يُتوقع أن تُعقد في الرياض، رغم أن موعدها ما زال غامضاً. وفي تصريحات مساعد الرئيس الروسي، تم التأكيد على أن القمة قد لا تنعقد في الأسبوع المقبل، مشيراً إلى ضرورة استكمال التحضيرات بين وفدي البلدين، ورغم ذلك، هناك إشارات تدل على إمكانية عقد اللقاء قبل نهاية الشهر، وهو ما يراه الرئيس ترامب أمراً محتملاً، رغم غياب تفاصيل دقيقة بشأن الموعد.
تأتي هذه القمة في أعقاب محادثات استراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا في الرياض هذا الشهر، والتي استمرت لأكثر من أربع ساعات، ترأس الوفد الأمريكي وزير الخارجية ماركو روبيو، بينما مثل الجانب الروسي وزير الخارجية سيرجي لافروف. وقد تركزت المناقشات على تهدئة التوترات بين البلدين وسبل إيجاد حل سلمي للصراع الأوكراني، تمهيداً للقمة المرتقبة بين ترامب وبوتين. من جانبها، أكدت موسكو أهمية التفاوض من أجل تسوية سلمية، مشيرة إلى أن الرئيس بوتين ملتزم بتحقيق أهدافه عبر الوسائل الدبلوماسية. وقد أسفرت المحادثات عن تشكيل فريق رفيع المستوى لمتابعة مفاوضات السلام في أوكرانيا وتعزيز التعاون الاقتصادي بين واشنطن وموسكو، ما يعكس رغبة روسيا في إعادة بناء الجسور مع الغرب بعد سنوات من العزلة. ولكن هذه القمة، على الرغم من عنايتها السياسية، تشير إلى تحولات أوسع في خريطة العلاقات الدولية.
ما يميز هذه القمة بشكل خاص هو انعقادها في الرياض، التي أصبحت نقطة محورية في الدبلوماسية العالمية. فقد نجحت المملكة العربية السعودية في إثبات دورها كوسيط رئيسي في القضايا الإقليمية والدولية، مما جعلها الشريك المثالي لاستضافة قمة بين الرئيسين الأمريكي والروسي، إذ إن السعودية تتمتع بعلاقات قوية مع كلا البلدين، وهي قادرة على توجيه الجهود الدبلوماسية لتخفيف التوترات وتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، من خلال تحركاتها الدبلوماسية الحاسمة، استطاعت الرياض أن تبني شبكة علاقات واسعة مع القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، هذا الموقف جعلها تحتل موقعاً مميزاً على الساحة السياسية العالمية، ما يعزز دورها في تنظيم قمة من هذا النوع التي قد تؤثر في شكل العلاقات الدولية بشكل عميق.
ومن المتوقع أن تترك القمة المرتقبة آثاراً واسعة على المستوى الدولي، أولاً، ستتيح القمة فرصة لإعادة روسيا إلى الساحة الدولية بعد سنوات من العزلة، منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 2022، وعلى الرغم من الضغوط الغربية على موسكو، فإن اللقاء يمثل فرصة نادرة لإعادة فتح قنوات الحوار المباشر بين الكرملين وواشنطن، مما يعزز من مكانة روسيا على الساحة الدولية، كما أن هذه القمة قد تمنح موسكو الفرصة لتكون جزءاً من صياغة التوازنات الجديدة التي يتسارع تشكيلها في الشرق الأوسط والعالم.
أما بالنسبة للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على روسيا، فتأمل موسكو أن تسهم القمة في تخفيف هذه العقوبات التي كانت لها آثار سلبية طويلة المدى على الاقتصاد الروسي، ورغم أن روسيا استطاعت التكيف جزئياً مع العقوبات من خلال تعزيز علاقاتها مع دول مثل الصين، فإن القمة تعد فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي من خلال فتح آفاق جديدة للتعاون مع واشنطن. ومع ذلك، فإن رفع العقوبات لن يكون أمراً سهلاً، حيث إن هناك معارضة قوية من بعض الأطراف السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي الوقت نفسه، تثير المباحثات الأمريكية-الروسية قلقاً متزايداً في أوكرانيا وأوروبا، فهناك مخاوف من أن يتم استبعاد أوكرانيا من مفاوضات إنهاء الحرب، مما قد يضر بمصالحها ويهدد سيادتها، كما أن تصريحات ترامب التي شككت في استعداد القيادة الأوكرانية لتقديم تنازلات تعكس تحولاً في السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا، مما يزيد من تعقيد الموقف الدولي بشكل عام، وتظل أوكرانيا في قلب هذه التحولات، تتطلع إلى دور أكبر في تشكيل الحلول المستقبلية، وهو ما قد يفرض تحديات جديدة في العلاقات بين الغرب وروسيا.
وفيما يخص التحولات الأوروبية، يعكس التوجّه نحو تعزيز الاستقلالية الدفاعية للقارة الأوروبية تزايد القلق من توترات مع روسيا، فقد بدأ القادة الأوروبيون في باريس محادثات لتطوير استراتيجيات دفاعية مشتركة تضمن لأوروبا القدرة على مواجهة التحديات الأمنية دون الاعتماد الكامل على القيادة الأمريكية، هذه الخطوات تشير إلى رغبة أوروبية في تعزيز سيطرتها على قراراتها الأمنية والحد من التأثيرات الخارجية.
في النهاية، ستكون القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين نقطة تحول حاسمة قد تُعيد رسم خريطة العلاقات الدولية، إذا نجحت المفاوضات في تحقيق اختراق حقيقي في الملف الأوكراني وتحسين العلاقات بين القوى العظمى، وقد تشهد المنطقة تحولات جيوسياسية كبرى. وبينما تراقب الأنظار ملامح هذه القمة، لا شك أن السعودية ودول الخليج ستظل في قلب الأحداث التي تحدد ملامح النظام الدولي في السنوات المقبلة، في ظل التقلبات السريعة والتغيرات الكبيرة التي يشهدها المشهد السياسي العالمي.

[email protected]

*باحث متخصص في إدارة الأزمات والمخاطر

أخبار ذات صلة

0 تعليق