حتمية التفكير - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يحيى زكي
هل انتهى زمن التأليف الموسوعي الذي يتناول الأفكار «الفلسفة وما يلحق بها»؟ أعني تلك الكتابة التي تحيط بأبعاد فكرة ما، من جوانبها كافة، فتتحول إلى كتابة مرجعية حول تلك الفكرة. فمنذ نحو ربع قرن لم يخرج علينا كاتب أو باحث أو مفكر بعمل يدور في هذا الفضاء، ويبدو أن المستقبل لا يبشر بإضافة جديدة في هذه النوعية من الكتابة.
يقال دائماً إن عصور التراجع المعرفي أو الثقافي تشهد الكثير من الكتابات التي تؤرخ لعصور الازدهار التي سبقتها، وتقوم برصد الأفكار التي طٌرحت في تلك العصور، وتتبع مساراتها وتحولاتها وأبرز الأطروحات التي أثارتها وناقشتها، ولكننا أيضاً لم نشهد خلال الفترة السابقة الذكر أي كتابات من هذه النوعية، بمعنى أننا ومنذ سنوات طويلة توقفنا عن التعاطي مع الأفكار أو التأريخ لها، وهنا يكمن الخطر، وكأنها لم تكن أو أننا قمنا بمحوها من ماضينا.
على مدار القرن العشرين استمر التأليف الموسوعي الذي يتناول كل ما يرتبط بفكرة ما، على قدم وساق، مثلاً في الثلاثينات والأربعينات من هذا القرن كتب أحمد أمين موسوعته «فجر وضحى وظهر الإسلام» في ثلاثة أجزاء، تتبّع فيها تاريخ العقل في الإسلام، أحاط بكل ما يحيط بفكرة العقل وما يؤثر فيه ويسهم في تشكله من طبقات اجتماعية إلى علوم دينية إلى آداب وفنون. تكررت المسألة مع أدونيس الذي أرّخ لفكرة الثبات والتغير في الثقافة العربية في عمله الأشهر «الثابت والمتحول»، ومع محمد عابد الجابري الذي وضع العقل تحت مشرط النقد، وهناك في الإطار نفسه سلسلة ذهبية من مفكرينا كل في مجاله، والقائمة تشمل حسين مروه وطيب تيزيني وعبد الوهاب المسيري وإدوارد سعيد ومحمود إسماعيل وحسن حنفي، وغيرهم العشرات.
ملاحظة أخرى تميز الواقع الذي نعيش فيه، وتتمثل في أنه لا يوجد من يغزل على أي عمل لواحد من هؤلاء، مع أن هناك الكثير من الأفكار التي طرحوها ويمكن التعاطي معها من زاوية نظر جديدة، أو تتبع المستجدات التي طرأت على الفكرة نفسها، لنأخذ الاستشراق، والذي لم تتوقف مؤسساته وآلياته يوماً عن إنتاج الصور الذهنية المتعلقة بالعرب والمسلمين، وبالتأكيد هناك مذاق خاص ومختلف للاستشراق في عصر التكنولوجيا الحديثة والصورة يختلف كثيراً عن تركيز إدوارد سعيد على الأدب أو الفكر.
إذن، نحن أمام وضع فكري لا نحسد عليه يتركز في ثلاثة أبعاد يرتبط كل منها بالآخر، أولاً توقفنا عن التفكير والتأليف الموسوعي في الأفكار، أهملنا التأريخ لواقع قريب لم تمر عليه أكثر من ثلاثة عقود، وافتقدنا القدرة أو الرغبة في توليد أطروحات جديدة من تلك التي أبدعناها على مدار قرن كامل.
طوال القرن العشرين دار الفكر العربي حول سؤال «أين الخلل؟»، وتعلق بعجزنا عن اللحاق بالعالم المتقدم، وربما يتحول في هذا القرن إلى سؤال محرج وكاشف: أين الخلل في أننا توقفنا عن التفكير؟ وهل يوجد تقدم من دون إعمال العقل؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق