جورج - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أشهر كاتبتين (اختبأتا) تحت اسمين مستعارين: الإنجليزية ماري إيفانز، والفرنسية أمانتين لوسيل دوبين، الأولى اختارت اسم رجل (جورج إليوت)، والثانية اختارت اسم رجل أيضاً (جورج ساند)، ومن حيث الزمن العمري هما متقاربتان، جورج إليوت عاشت من 1819 إلى 1880، وجورج ساند عاشت من 1804 إلى 1876، ولعل القارئ يكتشف مفارقة مضحكة هنا بالنسبة إلى ماري إيفانز، فهي تصنف عادة من حيث الزمن الرسمي، كاتبة في العصر الفيكتوري الذي ينسب إلى امرأة هي الملكة فيكتوريا التي حكمت من 1737 إلى أوائل القرن العشرين، ومع ذلك، فإن هذه الفترة النسوية الملكية البريطانية لم تمنع كاتبة شابة جريئة من اختيار اسم رجل توقع به رواياتها المقروءة إلى اليوم.
ليست الحكاية هنا في قصة اختيار الأسماء المستعارة، فهي ظاهرة عالمية، وعربية عندنا نحن في الشعر العربي، فالمتنبي ليس سوى اسم مستعار، كما المقنع الكندي، وديك الجن الحمصي.
الحكاية في الرجل الذي يختبئ وراء اسم امرأة، كاستعارة أدبية، وهو أمر يبدو شعرياً وجميلاً في الاتجاه المعاكس الذي يستعير اسم الرجل بوصفه نوعاً من الحماية أو شكلاً من أشكال القوة.
وربما لجأت كل من ماري إيفانز وأمانتين دوبين إلى اسم رجل متداول مثل (جورج) لأن إيقاعه الذكوري واللغوي يمكن أن يحمي المرأتين بهذه التداولية الاسمية (جورج)، الاسم الملكي والسياسي والإشهاري في قوته وحضوره الإيقاعي الغربي بشكل خاص.
نعم، (جورج).. إنه مثلاً جورج بوش الأول، وجورج بوش الثاني، وجورج بومبيدو، وجورج واشنطن، وقد عدت في المقالة إلى الويكيبيديا فوجدت حوالي 1000 جورج بين ملك، ورئيس، وكوميدي، وسينمائي، وشاعر، وعالم، ورياضي.. والأصل بحسب الموسوعة الحرّة هو اسم علم من أصل يوناني.
دع عنك كل هذا وعد إلى استعارة أو اقتراض الرجل لاسم المرأة. أدونيس الذي هو اسم مستعار، وقبل هذا الاسم الأسطوري الذكوري كتب قليلاً تحت اسم نسائي أو أنثوي (دليلة)، وحتى أن شاعراً فحلاً، جميل صدقي الزهاوي استعار اسم (ليلى)، والكاتب اللبناني رئيف خوري اختبأ وراء (أم عباس).
في كل هذه القصة أحببت حكاية الروائي (محمد موليسهول) الذي استعار اسم امرأة مشتق من بلده الجزائر الأخضر، كتب وراء الاسم (ياسمينة خضرة) ثماني روايات، أو أنه اختبأ وراء هذا الاسم النسائي لأنه كان عسكرياً، وليس من المسموح أن يكتب أدباً مناهضاً لرموز الثقافة الفرنسية الاستعمارية.. يقول في حوار مع شاكر نوري «إنني لا أحتاج لا إلى الدبابات ولا إلى الطائرات ولا إلى القطع المسلحة، بل أعطوني آلة كاتبة وحزمة من الورق من أجل أن احتل العالم».
وياسمينة خضرة لم تحتل العالم. جلس موليسهول الرجل وراء خضرة المرأة التي قامت بحمايته، وأخفته عن الرقابة والمطاردة، وكان كما لو أنها عموده الفقري الذي هو الحب، والحب دائماً لونه أخضر، وكانت تلك زوجته التي في معادل أمه ووطنه، وهي ليست أي نوع من أنواع «جورج».
[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق