تمثل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، منعطفاً حاسماً بين الولايات المتحدة والصين، على خلفية العلاقات السابقة خلال ولايته الأولى بين العامين 2016 و2020 والتي تميزت بالتوتر والحرب الاقتصادية والمالية والتقنية.
تأمل بكين بأن تكون هذه العودة، مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، تقوم على التهدئة والحوار والتعاون والمنافسة، بدلاً من التصعيد، وهو ما عبّر عنه الزعيم الصيني شي جين بينغ في التهنئة التي وجهها للرئيس الأمريكي المنتخب بعد فوزه بقوله: «إن الصين والولايات المتحدة ستستفيدان من التعاون وستخسران عند المواجهة»، أضاف «نأمل بأن يتمسك البلدان بمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي، والتعاون المربح، وتعزيز الحوار والتواصل، وإدارة الخلافات بشكل صحيح، وتعزيز التعاون المتبادل هو الخيار الصحيح» وأردف قائلاً: «العلاقات السياسية الصينية الأمريكية المستقرة والقوية والمرنة تخدم مصالح البلدين، وتلبي التطلعات التي ينتظرها المجتمع الدولي».
هذه الإيجابية الصينية، تعكس رغبة بكين في فتح صفحة جديدة مع إدارة ترامب، لعلها تلقى صدى مماثلاً، وتضع حداً للصراع بين القوتين العظميين، ليس في مصلحتهما ولا في مصلحة العالم، وتفتح آفاقاً من التعاون بينهما، تشكل مرحلة مهمة تؤدي إلى قدر أكبر من الطمأنينة والاستقرار في عالم يضج بالصراعات والحروب والفوضى غير المسبوقة.
وإذ يلتقي الزعيم الصيني اليوم في ليما عاصمة البيرو مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في خضم الأجواء المتوترة بين البلدين، وهو اللقاء الثالث بينهما، لاستعراض المسيرة الملتوية للعلاقات بين بلديهما، والتي لم تحقق تقدماً يذكر خلال أربع سنوات من ولاية ترامب، فإن هذا اللقاء لن يكون أكثر من لقاء بروتوكولي، فإدارة بايدن هي الآن أشبه بحكومة «تصريف أعمال»، إلى حين تسلم إدارة بايدن السلطة الفعلية في يناير/ كانون الثاني المقبل إلى إدارة ترامب التي ستقرر طبيعة العلاقات المستقبلية مع بكين.
صحيفة «تشاينا دايلي»، أشارت إلى أن رسالة شي إلى ترامب «تؤسس لنقطة انطلاق جديدة في العلاقات، وسيتعين على القيادة الأمريكية الجديدة الآن، أن تأخذ في الاعتبار الصورة الكاملة للعلاقات الصينية الأمريكية، وأن تستجيب إلى دعوة الصين للحفاظ على العلاقات الثنائية، الأكثر أهمية في العالم على طريق التنمية الصحية والمستقرة»، كما أكدت الصحيفة، ضرورة أن تلتزم الإدارة الأمريكية الجديدة بمبدأ «الصين الواحدة»، وذلك في إشارة إلى أزمة تايوان، وهي القضية الأكثر حساسية بالنسبة للصين. وقالت: «إن هذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه».
هناك فرص ومجالات كثيرة للتعاون، بعيداً عن المواجهة الاقتصادية، وخاصة في ما يتعلق بالمجال العسكري، وتخفيف مخاطر المواجهة العسكرية، ومكافحة المخدرات والفنتانيل وإدارة المخاطر الأمنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والمناخ، وهي قضايا إذا تم الاتفاق بشأنها، يمكن أن تشكل مدخلاً لعلاقات أوسع وأكثر استقراراً، لكن المشكلة تكمن في الرئيس ترامب الذي يرفع شعار: «سأجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وهو شعار يعبر عن مواجهة مع قوى أخرى، تنازع الولايات المتحدة على موقع قيادة النظام الدولي، وتسعى إلى قيام نظام جديد متعدد يقوم على المساواة والعدالة الدولية، والمقصود هنا الصين بما تمثله من قوة اقتصادية وعسكرية تنافس الولايات المتحدة، إذ من المتوقع أن يتبنى ترامب ممارسات مماثلة لتلك التي اعتمدها في ولايته الأولى، مثل إقامة الحواجز التجارية، وفرض قيود التكنولوجيا على الصين، واعتماد ضوابط جديدة للتصدير، وفرض ضرائب إضافية على الواردات الأمريكية من الصين تصل إلى 60 في المئة، إضافة إلى حروب مالية وقيود على الاستثمار، وهذه الإجراءات، هي سلاح ذو حدين، إذ ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وزيادة الضغوط التضخمية في السوق الأمريكي.
إن شكل العلاقات الأمريكية الصينية، يعتمد مستقبلاً على قرارات ترامب، وما إذا كان سيستجيب ليد الصين الممدودة.
0 تعليق