ما رأيك في خواطر أغلب الظن أنها لم تطرق أبواب الأذهان لدى المثقفين العرب؟ صاح القلم: أنا أوّل من يراهم على حق، فهم لم يحاولوا قطّ تعريف دور المثقف، ورسم معالمه وحدوده. في القديم، كان الشاعر جهاز إعلام بالتوازي مع الثقافة. يتصدى للحملات الإعلامية المضادّة، يرافق الجيوش لتغطية المعارك. اليوم، التغطية التلفزيونية يعاد بثّها في بضع نشرات، ثم تغط في سبات الأرشيفات. قديماً، كانت تغطيات الشاعر تخترق حدود الزمان، لهذا نرى تغطية أبي تمام لملحمة عمّورية: «السيف أصدق إِنباءً من الكتبِ.. في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ»، وتغطية أبي الطيب لمعركة «الحدث»: «على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ.. وتأتي على قدر الكرام المكارم»، تَعْبران القرون، تفتحان مدائن العقول والقلوب فتحاً مبيناً، في المدارس ومجالس الأدب والمكتبات. الأمثلة بالآلاف من الجاهلية إلى عصرنا.
لا شك في أن العالم العربي يهمّ المثقفين العرب، ولا يحقّ لأحد نفي أن الشرق الأوسط جزء لا يتجزأ من الخريطة العربية، بالتالي يكون أهل الثقافة قد قرع جرس الفضول في رؤوسهم، السؤال: كيف يا تُرى ستتغير الطوبوغرافيا الشرق أوسطية؟ مثل تقسيم الكعكة؟ مثل مشكّل المكسرات؟ لأن الدكتور برنارد لويس وكونداليزا رايس وسائر الناطقين بهذه اللغة التقسيمية لم يبينوا بما يجعلنا نطّلع على أفئدتهم. هذا شبيه بما يقال عن أبي حيان التوحيدي: «أشار ولم يصرّح».
القضية الجديرة بالطرح هي أن يكون المثقف لا يمكن فصله عن منظومة قيم الهوية. وإلا فهل تستطيع أن تتصور المثقفين بمعزل عن عشق التراب والأرض والوطن واللغة وكل ما في قائمة الانتماءات؟ مكوّنات الهويّة جميعاً تحتاج إلى لسان وبيان وفكر ورأي وتعبير وتفاعل وعشق وأرق، ونار تضيء بين الجوانح. هل من العسير أن يكون المثقف اليوم حامل أمانة إعلامية توعوية إيقاظية، حين يتكهّف الناس ويترقّمون وتمسي عملة تفكيرهم خطراً على مصالحهم العليا؟
أيّ عجب عجاب أن يحتاج المثقف إلى توعية بأن أمن البلدان يغدو في خطر إذا كسا الجليدُ شعلةَ الثقافة، وما وزن الفكر والآداب والفنون إذا كانت لا تعدو أن تكون بالونات ملونةً وشموعَ حفلة تنكّرية وأهازيج بلابل وسنابل؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التصحيحية: أمام الأخطار التي تتهدد سلامة الأوطان، تصبح الذرّة من فضة الكلام، أثمن من جبال ذهب السكوت.
[email protected]
0 تعليق