مخاوف الحرب العالمية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ربما قلل العالم من أهمية التطور الأخير في الحرب الأوكرانية باستخدام روسيا للمرة الأولى صاروخاً باليستياً متوسط المدى لضرب مصنع أوكراني للصواريخ وما تلاه من تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن تلك الضربة «تجربة»، وأن موسكو ستتوسع في إنتاج هذا النوع من الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية.
إذا كان طبيعياً ألا يهتم الإعلام الغربي بتصريحات بوتين وقادة الكرملين في إطار سياسة «الإعلام الموجّه» في الحروب والصراعات، حيث تتراجع المهنية لصالح الدعائية السياسية، فإن المسؤولين 
في الغرب مهتمون بهذا التطور وإن بدت تصريحاتهم العلنية عكس ذلك. بمعنى أن المخاوف من توسع الصراع بين روسيا والغرب يمكن أن يتسع ويضع العالم على شفا حرب عالمية ثالثة.
الخطوة الروسية جاءت بعد استخدام أوكرانيا صواريخ باليستية، أمدّتها بها أمريكا وبريطانيا، لقصف العمق الروسي. واعتبرت موسكو ذلك بمثابة مشاركة مباشرة من واشنطن ولندن وحلف شمال الأطلسي (الناتو) عموماً في الحرب والعدوان عليها. حتى التبريرات في بعض التحليلات الغربية بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن أراد بهذا التصعيد تعقيد مهمة خلفه، الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي وعد بانهاء الحرب لا يقلل من أهمية وخطورة التصعيد الأخير.
قد يكون تكرار تهديد روسيا باللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية، ولو بشكل «تكتيكي»، من دون أن تفعل جعل العالم «يستهين» بأية تصريحات تهديد من موسكو. يذكرنا ذلك بقصة مثل الولد والذئب، إذ تكرر أن يصرخ الولد الشقي «الحقوني، سيأكلني الذئب» وحين يلبي الناس النداء لا يجدون شيئاً إلى أن جاء يوم وهاجمه الذئب وحين صرخ لم يعره أحد اهتماماً فأكله الذئب.
وهكذا، لا يجب الاستهانة بتصريحات الرئيس الروسي بعد إطلاق الصاروخ الباليستي على أوكرانيا، إذ يمكن لأي خطأ في الحسابات خلال الأسابيع المتبقية على تولي الرئيس الأمريكي المنتخب مهامه مطلع العام القادم أن تجعل الأمور تخرج عن السيطرة. في الوقت نفسه لا تجب المبالغة في توقع تصعيداً أكبر حتى مع أخذ الحيطة والحذر. ولا شك أن هناك قنوات تواصل غير معلنة يمكن أن تقلل من احتمال اتساع الصراع إلى حرب شاملة.
مع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن إدارة بايدن بقرارها السماح لكييف استخدام الصواريخ الباليستية الغربية في الهجوم داخل روسيا وليس فقط الدفاع عن أوكرانيا قد تكون في نهاية فترة حكمها كررت ما فعلته في بداية تلك الفترة. إذ كان تقدير واشنطن بعد قمة بوتين – بايدن قبل نحو ثلاث سنوات أن موسكو حتى لو هاجمت أوكرانيا لن تفعل ما فعلت – أي احتلال شرق أوكرانيا وضمه إلى روسيا نهائياً.
صحيح أن الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا لم تكن بالنجاح الذي توقعته قيادة الكرملين، لكن لا يبدو أيضاً أن موسكو مستعدة للتراجع عما حققته على الأرض حتى على الرغم من «ثغرة» توغل أوكرانيا في منطقة حدودية روسية.
يعوّل كثيرون على وجود ترامب قريباً في البيت الأبيض واحتمال توقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا وإعادة النظر في دور واشنطن ضمن حلف الناتو. وسبق أن كرر ترامب في حملته الانتخابية أنه سيعمل فوراً على وقف الحرب في أوكرانيا، بل وتفاخر أكثر من مرة بأن فترة رئاسته الأولى لم تشهد أية حروب لأمريكا في إطار انتقاده لإدارة بايدن التي اندلعت في فترة رئاستها حرب أوكرانيا والحرب على غزة ولبنان.
لكن هل سيستطيع ترامب فعلاً وقف الحروب؟ ربما لديه القدرة على التوصل لصفقات تهدئة هنا أو هناك لكن سياسته الانعزالية المتوقعة ستعني في النهاية «فك ارتباط» أمريكي مع العالم، ومع حلفاء واشنطن في الغرب قبل منافسيها. هذا الانسحاب من الدور العالمي ستكون له تبعات مهمة جداً ربما تسهم في تأجيج صراعات كانت مكتومة بفضل «الردع» غير المباشر من دور أمريكا العالمي، خاصة العسكري.
لا يحتاج اندلاع حرب عالمية إلى استخدام روسيا أسلحة نووية تكتيكية في حرب أوكرانيا، ولا حتى توسع الصراع في الشرق الأوسط إلى حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل. بل تكفي شرارة من هنا أو هناك لتشعل السهل كله كما يقول المثل. كانت منطقة البلقان شرارة انطلاق الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي. وهي الآن منطقة تغلي بالتوتر. وقد تغري انعزالية ترامب صربيا مثلاً لتطور نزاعها الحدودي الدائم مع كوسوفو إلى ضم الإقليم الذي يسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (مثلما سعت أوكرانيا). وساعتها لن تسكت ألبانيا التي ستصبح مهددة من صربيا. وستقف روسيا والصين مع صربيا التي ستسعى للتوسع لاستعادة ما يشبه «يوغسلافيا السابقة». بل إن الصين قد تتشجع لاتخاذ خطوات على طريق إعادة تايوان إلى «الوطن الأم».
صحيح أن هناك عوامل محلية وإقليمية قد تحول دون تلك التطورات بغض النظر عن الدور الأمريكي في العالم وتراجعه في ظل إدارة ترامب القادمة. لكن احتمالات الحرب العالمية تظل قائمة، خاصة أن النظام العالمي الذي يحاول التشكل منذ ما بعد الحرب الباردة فشل حتى الآن في الوصول إلى صيغة مستقرة. وقد يحتاج إلى حرب عالمية تؤدي إلى نظام عالمي جديد.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق