في عصرنا الحديث، أصبحت السعادة منتجاً يعرض ويستهلك مثل أيّ سلعة أخرى. نظرة سريعة على منصات التواصل الاجتماعي تكشف عن عالم يبدو وكأنه احتفال دائم بالسعادة، صور مشرقة، وجوه مبتسمة، ورحلات مثالية، وأطباق طعام معدة بعناية، لكن خلف هذه الواجهات اللامعة يختبئ سؤال جوهري: هل هذه السعادة حقيقية، أم أننا دخلنا عصر المشاعر المصنّعة، حيث يتم تزييف السعادة وتغليفها بعناية لتبدو كمنتج مثالي؟ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحات لعرض الحياة بأجمل زواياها، المستخدمون يسعون إلى تقديم نسخة محسّنة من حياتهم، تظهر كل ما هو إيجابي وتخفي عكس ذلك، وما قد يكون أقلّ جمالاً. هذا «التلميع الرقمي» لا يعكس الواقع، بل يخلق تصورات زائفة عن السعادة، الأسوأ من ذلك أن هذه الصور المصطنعة لا تؤثر فقط في من ينشرها، بل تمتد إلى المتابعين الذين يقارنون حياتهم اليومية الحقيقية بما يرونه على الشاشات، ما يولد شعوراً بالنقص والإحباط.
ظاهرة تزييف السعادة ليست مجرد مشكلة فردية، بل هي نتاج لثقافة طارئة، تشجع على إظهار القوة والنجاح والبهجة، وتهمّش المشاعر الحقيقية. الكل يسعى لتقديم صورة «الكمال»، حتى لو كانت على حساب راحته النفسية. هذه الثقافة تجعل الاعتراف بالمشاعر السلبية أمراً محرجاً أو غير مقبول، مما يؤدي إلى تصاعد مشاعر العزلة والضغط النفسي.
«السعادة المعلبة» تحمل أثراً اقتصادياً أيضاً، فالصناعات التجارية والإعلانات تستغل هذا السعي المحموم للسعادة، فتقدم منتجات وخدمات تسوق على أنها مفاتيح للحياة المثالية، من الملابس الفاخرة إلى وجهات السفر الباذخة، كلها تباع بوعد ضمني، «اشترِ هذا وسددْ لاحقاً وستكون سعيداً»، لكن الحقيقة هي أن هذه السعادة قصيرة الأجل، لأنها تعتمد على الاستهلاك والقرض المالي.
الحل يكمن في العودة إلى الصدق مع الذات والآخرين، السعادة الحقيقية ليست في عدد الإجابات أو التعليقات، بل في اللحظات البسيطة التي تشعرنا بالرضا والامتنان، حتى وإن لم توثق بعدسة الكاميرا.
يجب أن نتذكر أن الحياة ليست مثالية، وأن السعادة الحقيقية لا يمكن أن تكون معلبة أو مصنّعة، بل هي ما نعيشها بصدق مع أنفسنا ومع من نحب، بعيداً عن ضغط التظاهر أو البحث عن موافقة الآخرين.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق