خواطر في نقص الأفكار - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بماذا تجيب السائل: ما الذي ينقص العالم العربي؟ تستطيع أن تُعدّ قائمةً طويلةً من الأشياء التي يفتقر إليها. لا حاجة إلى عناء، لك أن تجمع كل النقائص والنواقص في كلمتين: تنقصه الأفكار. بالمناسبة: هذه العبارة قالها المؤلف الموسيقي الفرنسي هكتور برليوز عن بيتهوفن في السيمفونيتين الأولى والثانية. لم تكن عبقريته قد تجلت بكامل إشعاعها مع الثالثة «البطوليّة».
لا بدّ من إثارة المواجع المزمنة في هذا العمود: المناهج. حاول أن تُجيل ذهنك في مجالات الحياة العامّة، ستدرك أن ميادين التنميات المتعثرة كلها مردّها إلى نقص الأفكار. قد لا تكون العبارة في محلها، فالعلّة في عدم العمل بالأفكار الموجودة. المثل الصادم: منذ أربعة عشر قرناً، حظي العرب بأعظم مقولة تربوية في التاريخ، ولكن، لم ينفذوها قط: «لا تعلّموا أولادكم ما عُلّمتم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم». شمس تربوية مشرقة، والأبصار تغشّيها «ظلمات بعضها فوق بعض».
هكذا نرى أن أنظمة التعليم العربية هي أهمّ قطاع تنقصه الأفكار. السبب بسيط: المناهج العربية لا تعلّم الدارسين كيف يفكّرون. الأسرة قبل المدرسة «شريكة ذنب». في بيئة النشأة الأولى، تبدأ القولبة، وعلى دماغ الطفل أن يتكيف ويتأقلم مع القوالب الجاهزة. هكذا تتلخص الحياة من المهد إلى اللحد في تفريخ النموذج واستنساخ المثال. لا وجود لتربية العقل الناقد الفاحص الاختباري التجريبي المقارِن التحليلي الباحث.
قطاف الثمار لا يحتاج إلى دليل: عالم عربي فيه مفكرون بضاعتهم كاسدة، أمّا الفلاسفة فبعد ابن رشد صاروا غيلاناً وعنقاوات. وأمّا العلوم ففي بلاد العرب أساتذة علوم وتقانة، ولكن لا انعكاس لهذه الميادين الحيويّة على مرايا الاقتصاد والتنمية وأمن الدول واستقرارها. مراكز البحث العلمي حتى حين يكون عملها سريّاً للغاية، لا يمكن إخفاؤها، كذلك أوراق البحث المتألقة وبراءات الاختراع. تلك الفراغات من ألفها إلى يائها دليل على نقص في الأفكار.
يقيناً، يتعذر حلّ مشكلة نقص الأفكار، من دون إحداث تغييرات جذرية في أنظمة التعليم لتطوير المناهج. التغيير الجذري يعني إعادة البناء على أرض مستوية، لتكون التربية الجديدة مختلفةً تماماً عمّا كان سائداً. هذا إذا أراد العقل العربي، بلا موانع ولا كوابح، أن يتذوق طعم البحث العلمي وإنتاج العلوم، وإدراك أصل النوائب التي تقعده عن الحركة في عالم تتوثب فيه القوى الصاعدة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفراسية: شبع العرب من نار الجوانح التي تذكيها الصبابة، فمتى التنمية يذكيها الفكر؟

abuzzabaed@gmail. com

أخبار ذات صلة

0 تعليق