الشارقة: عثمان حسن
الناشر: دائرة الثقافة في الشارقة
======================
كتاب «قصيدة السيرة الذاتية.. موجهات القراءة وطرائق التشكيل» هو دراسة نقدية للدكتورة ناهد راحيل، تستقرئ من خلالها قصيدة السيرة الذاتية لدى الشاعر محمد عفيفي مطر ممثلة في ديوانه «ملكوت عبدالله» في محاولة للوقوف على آلياتها ومحددات تلقيها بوصفها نصاً يروي الشاعر فيه أحداثاً حقيقية، مركزاً على حياته الفردية وتكوين شخصيته، خلال تلك الفترة التي رغب في حكايتها ونقل تجاربها إلى القارئ.
تنطلق الناقدة د. ناهد من فن السيرة بوصفه نوعاً أدبياً له مرتكزاته الخاصة ومعاييره النوعية التي تميزه عن أشكال كتابة الذات المختلفة، وتم تحديده كأحد الأنواع السردية التي تتخذ الذات موضوعاً لها عبر استدعاء فترات منتقاة من مخزون الذاكرة.
صدر الكتاب عن دائرة الثقافة في الشارقة وجاء في ثلاثة أقسام: (الأول: مقاربات تعريفية لقصيدة السيرة الذاتية، الثاني: قصيدة السيرة الذاتية.. موجهات القراءة، والقسم الثالث: قصيدة السيرة الذاتية.. طرائق التشكيل).
*محددات
في القسم الأول من الكتاب وتحت عنوان «محددات النوع وإشكالية المصطلح» تؤكد الناقدة د. ناهد أن أبسط تعريف ورد للسيرة الذاتية ما جاء في الموسوعة البريطانية بأنها «قصة حياة شخص يكتبها بنفسه»، وتشير إلى الإنجليزي كاتب السير الذاتية وعالم الاجتماع فيليب لوجون الذي انطلق من وضع حد للسيرة الذاتية أثر في العديد من الدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع، وهو الحد الذي يجعل من السيرة الذاتية «حكياً استعادياً نثرياً يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته» ولوجون ركز في أطروحته على نوع أدبي واحد هو «النثر»، كما تشير إلى (فابيرو) في كتابه «المعجم الكوني للأدب 1976» الذي جاء فيه «إن السيرة الذاتية تعتبر مكاناً واسعاً للاستيهام، ومن يكتبها ليس ملزماً تماماً بأن يكون دقيقاً حول الأحداث التي يرويها كما هو الحال في المذكرات، أو بأن يقول الحقيقة المطلقة كما هو الشأن في الاعترافات»، هكذا -تؤكد- د. ناهد: «تصبح السيرة الذاتية نوعاً قابلاً لاحتضان عدة نصوص، ويكون نجاح المصطلح مرتبطاً بالتوتر والغموض، وبالتردد الذي تسمح به الكلمة.
فابيرو كما تؤكد د. ناهد بتعريفه يقترح نمطاً جديداً للقراءة، يشرك القارئ في عملية تأويل النص وتصنيفه، بجانب إشراكه في تقرير المقصدية الحقيقية لكاتب السيرة من كونها ضمنية أو صريحة، فيكون القارئ هنا هو الفضاء الذي يكتب من خلاله الفقرات السيرية، فضلاً عن اقتراحه السابق لنمط جديد للكتابة لا يقصر السيرة الذاتية على نوع أدبي بعينه، بل يجعلها فناً تستوعبه كل الأنواع الأدبية.
*موجهات القراءة
في حديثها عن موجهات القراءة في علاقتها مع قصيدة السيرة الذاتية، ترى د. ناهد أن مفهوم القراءة يرتبط بتقنيات قصيدة السير الذاتية وأبرز مكوناتها النصية؛ حيث النصوص لا تكشف عن نفسها إلا عبر قراءة واعية بطرق تشكيلها أو من خلال الوقوف على سنن اشتغالها وأعرافها، كما أن النص السير ذاتي الشعري شأنه شأن النصوص الإبداعية الأخرى: «ظاهرة خطابية تمتلك قوانينها وحدودها وتتضمن شعريتها الخاصة، ومن هنا، فإن التحليل النصي الكفيل بالكشف عن حقيقة السيرة الذاتية يجب أن ينطلق من البحث في نظام اشتغال النص وليس من فروقاته الشكلية والمضمونية».
وتشير د. ناهد إلى تمظهرات الضمير السردي في السيرة الذاتية بين المؤلف والسارد من خلال ضمير المتكلم، وهو ما أطلق عليه جيرار جينيت «السرد الذاتي» وتنتقل للحديث عن ديوان «ملكوت عبدالله»؛ حيث تسرد الذات الشاعرة في هذا الديون بضمير المتكلم الأحداث التي عايشتها وتقوم باستدعائها من ذاكرتها، وهو الضمير الأكثر ملاءمة لسرد السير الذاتية، كما أنه يناسب عملية البوح ويعلن التطابق التام بين السارد والكائن السيري في النص الشعري في أغلب الأحيان، فيلتزم عفيفي مطر بضمير الأنا عندما يكون الحكي من المنظور الحالي، ففي قصيدة «سلطانة الأطلال» يكشف محمد عفيفي للقارئ استراتيجيته في محاولة استعادة أحداث الماضي، أو خلق تلك الأحداث التي أصبحت متخيلة بسبب ثقوب الذاكرة، فيصرّح باتخاذه من الذاكرة وسيلة لتذكر الأحداث واسترجاعها:
بيني وبين خرائب الأهل القدامى / بعد أن.../وتقادمت خطواتهم في ليل ذاكرتي / وذاكرة المكان / شرخ بشباك وشق في جدار مائل / وأنا أحدق عبر صمت معتم عليّ أرى / آثار عرس أو بقايا مأتم / أو صندلاً لصبية قد أعجلتها الغول عنه / أو انفراط الأحرف الأولى بأقلام / الطباشير الملون خطها طفل صغير / هي قفزة أعلو بها فوق الجدار / وخطوة.. فأكون أول من يرى / النسيان رأي العين.
اعتمد مطر كما تؤكد د. ناهد في القصيدة تقنية «الميتاشعر» لينتقل إلى مستوى آخر يقدم فيه تعليقات وتصريحات حول كيفية إبداع ذلك العالم المتخيل؛ حيث يصبح المتلقي طرفاً في عملية التخييل والكتابة.
يتخذ الشاعر من ضمير المتكلم صوتاً سردياً ناطقاً بهموم الذات، وهي تستذكر ماضيها البعيد، أيام كان طفلاً، وهي في تمظهرها بهذا الضمير إنما تحاول إيهام القارئ بالتماهي والتوحّد معه، لتخلق فضاء سردياً بين الشاعر والسارد.
وتؤكد د. ناهد في معرض دراستها لقصائد عفيفي مطر على ضمير الغائب في قصائده؛ حيث لا تختلف السيرة الذاتية المكتوبة بهذا الضمير عن المكتوبة بضمير المتكلم، وأحياناً يتداخل الضميران ليحدثا تطابقاً بين السارد والشخصية الرئيسية.
وتؤكد د. ناهد تراوح الضمير السردي في النص السير ذاتي الشعري في «ملكوت عبدالله» بين الغائب والمتكلم، حيث قرر مطر البوح عما في نفسه من خلال السرد الذاتي بضمير المتكلم، مع محاولة طمس معالم التجربة الذاتية والتواري خلف الحيل الإبداعية التي عملت على هيمنة التخييلي على المرجعي والواقعي في نصوص الديوان، من خلال الانتقال إلى سرد التجربة بضمير الغائب، وبذلك دخلت ذات الشاعر إلى حدود التخييل عن طريق خلق مسافة بين الأنا / الحقيقية و الأنا / النصية المسرودة.
وتتحدث ناهد عن أبرز خواص التخييل الذاتي في ديوان مطر من خلال عدة قصائد، كما تدرس نماذج من استخدامه لضمير المخاطب في بعض قصائده لتؤكد أنه لا يختلف الأمر كثيراً مع ضمير المخاطب الذي يخلق ذات المسافة الجمالية التي يخلقها ضمير المخاطب؛ حيث وفرت هذه التقنية فرصة لتأمل الذات نفسها كما لو كان يتأمل شخصاً آخر غيره.
*مسارات
ترى د. ناهد أن مجموعة «ملكوت عبدالله» لمطر قد عرفت نفسها بوصفها قصائد سير ذاتية، وامتلكت نظاماً من العلامات دلّ على نوعها الأدبي، وحدد مسارات تلقيها وصيغ قراءتها، وعمل بالتالي على توجيه القارئ بأنه أمام نص شعري يهدف إلى تقديم قصة حقيقية تجسد فترة من حياة الشاعر وهي فترة الطفولة.
وقد أعلن الديوان مبدأ التطابق الاسمي، غير المباشر، بين الذات الشاعرة والكائن السيري، وقد تراوح الحكي فيه بين استخدام ضميري المتكلم والغائب، ما أتاح للشاعر البوح المباشر بما يجول داخله مباشرة من ناحية، وخلق مسافة تفصله عن ذاته وتحولها إلى موضوع للتأمل من ناحية أخرى.
* اقتباسات
* قارئ العمل الأدبي يسهم بطريقة أو بأخرى في الصورة التي يخرج عليها النص.
* الضمير لا يمثل إلا الكائن النصي الكامن داخل الخطاب.
* النص الأدبي محكوم لاستراتيجيات التفاعل بينه وبين القارئ.
* يستخدم مطر في قصيدته «مراودة الهدهد» السرد بضمير الغائب.
* ملكوت عبدالله، قصائد سير ذاتية تمتلك نظاماً يدل على نوعها الأدبي.
0 تعليق