«أسطورة شجرة اللبان» تفتتح مهرجان المسرح العربي في مسقط - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

مسقط: محمد إسماعيل زاهر

المسرح حالة تتكامل فيها مختلف مفاصل العمل الثقافي بصفة عامة، والفني على وجه الخصوص، ذلك ما بدا واضحاً في حفل افتتاح الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي في العاصمة العمانية مسقط، حيث كان الجمهور على موعد، مساء أمس الأول الخميس، مع كل ما يثير العقل ويحرك الوجدان ويرتقي بالذائقة الجمالية والبصرية ويحرض على التفكير، وهي مفردات أكدتها كلمات المشاركين في الحفل، فضلاً عن عرض المهرجان الأول، «أسطورة شجرة اللبان»، وحضر حفل الافتتاح ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عمان.

في مسرح «العرفان» بمسقط جاء افتتاح مهرجان المسرح العربي، وبدأ بمعزوفات موسيقية لفرقة الشرطة السلطانية العمانية، وكلمات لكل من إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، الجهة المنظمة للمهرجان، وسعيد البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية، فضلاً عن كلمة اليوم العربي للمسرح والذي يصادف 10 يناير من كل عام، وألقاها الفنان الفلسطيني فتحي عبد الرحمن.

في كلمة سعيد البوسعيدي إشارات إلى دور المسرح في النهوض بالشعوب، وتطرق إلى الثقافة في عمان من وجهة نظر تاريخية، وعبر عن سعادته باستضافة مسقط لـ 15 عرضاً مسرحياً من مختلف أقطار الوطن العربي، بالإضافة إلى 500 فنان، مما يؤكد أن المسرح عامل توحيد بين بلداننا من الماء إلى الماء، وأشاد البوسعيدي بدور الهيئة العربية للمسرح، وأكد أن المهرجان فرصة مهمة يستفيد منها الفنان العماني، وتفتح أمامه المجال من خلال العروض والورش والندوات للنقاش مما يثري المشهد الثقافي العماني.

شموس الدرب

أما إسماعيل عبد الله فجاءت كلمته مكثفة تتبع فيها تأثير «أبو الفنون» على البشر، وأكد أن المسرحيين هم حملة مشاعل التنوير، وقال: «علينا أن نخلص للمسرح لكي يكون للناس جميعاً»، وطرح سؤالاً: «أي مسرح نريد؟»، وأوضح أن المسرح الحقيقي يجب أن يكون للناس كافة، يقدم رسائل جادة ليستقر في الذاكرة التاريخية، وخاطب المسرحيين قائلاً: «كونوا شموس دربكم، ازرعوا حكمة المسرح في عقول الكبار والصغار، ابحثوا عن الحرية في قلوبكم تجدوها»، ووجّه عبد الله التحية إلى رجل المسرح الأول في العالم العربي، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

في كلمة اليوم العربي للمسرح شكر فتحي عبد الرحمن جمهور المسرح، وقال: «إني ممتن لجمهور مسرحنا العربي، الذي ما فتئ حضوره وتفاعله وتقديره للمسرح، يبعث الدفء في قلوبنا، فيسعدنا مثلما نسعده، إذ يشاركنا الأمل والتأمل في أحوالنا، والاحتجاج والغضب على انتكاساتنا وتراجعنا، وتخاذلنا...إنه الجمهور العربي المتذوق للمسرح، والمثابر على متابعة الأعمال المسرحية...إنه الجمهور الذي لا يزال يجرؤ على الحلم، والضحك والبكاء والحزن والفرح النابع من القلب، الجمهور الذي يرفض القبح والإسفاف والظلم، والأفكار الظلامية العمياء».

وتطرق عبد الرحمن إلى أساليب وطرائق النهوض بالمسرح العربي، وقال: «إذا أردنا الاستمرار في إبداعنا المسرحي، علينا التواصل المستمر مع جماهيرنا، على نحو يفضي إلى تحقيق غاياتنا المشتركة، وعلينا أن ننتصر للحق والعدل في نصوصنا مهما تسيد الباطل واستبد الظلم، وما علينا إلا أن نفتح نصوصنا وأفكارنا وعروضنا وتقنياتنا المسرحية على التجديد الدائم والابتكار الدؤوب، بمثابرة حثيثة، واجتهاد لا يستكين، وذلك لأن حياة المسرح ورقيّه وازدهاره، وتنامي فاعليته، وتصاعد تأثيره في حياة المجتمعات والناس، إنما تتوقف على التحديث والتجديد والابتكار، لا على التقليد والتكرار والاجترار».

ويبدو أن الجمهور احتل مكانة مركزية في كلمة عبد الرحمن، حيث يرى أنه لا سبيل أمام المسرح لكي يستمر في أداء رسالته، من دون الاحتفاظ بالجمهور، وطالب كل مهموم بالعملية المسرحية في التواصل مع الناس، عبر تنظيم جولات ميدانية للعروض المسرحية، وإقامة حلقات نقاش مفتوحة.

تجربة خاصة

وانتقل عبد الرحمن بعد ذلك إلى رصد تجربته الخاصة مع المسرح، الذي حمله دائماً في قلبه في مختلف الأماكن التي رحل إليها، وقال: «الحق أنني لم أجد مخلصاً صادقاً غير المسرح لينقذني من غربتي، ووحدتي وقهري، دأبت على حمل خشبة مسرحي المتنقل على ظهري، ورحت أتنقل وإياه من موقع إلى آخر من بين مئات المواقع في البلدات، والقرى والمخيمات، فوجدتني أمعن في التفاعل مع من يعانون بؤس العيش ومرارة القهر».

وفي ختام حفل افتتاح المهرجان، بدا واضحاً من تكريم جهات عمانية عدة، عراقة وامتداد المسرح في السلطنة، ذلك الامتداد الذي يستحق الإضاءة والتنويه، فمن الجهات المكرمة «المدارس السعيدية، والتي تعود إلى العام 1940، وهناك الحركة المسرحية في النوادي مثل نادي عمان والنادي الأهلي، فضلاً عن تكريم مسرح الشباب والذي بدأ في عام 1980، والجمعية العمانية للمسرح.

عناصر الإبهار

في العرض الأول للمهرجان، المسرحية العمانية «أسطورة شجرة اللبنان»، بدا واضحاً أن المخرج يوسف البلوشي يقدم معالجة لرواية «موشكا» للكاتب محمد الشحري، تقوم في الأساس على الإمتاع البصري، فالسينوغرافيا كانت بطلة العرض من دون منازع، وتميزت عناصر الإضاءة والديكور، فضلا عن الموسيقى والغناء والرقص التعبيري، بالإبهار، وكلها مفردات لم تترك للمتلقي فرصة لالتقاط الأنفاس.

تتأسس حبكة العرض على أسطورة عمانية حول جنية تدعى موشكا تحب الإنسي غدير، ولكن ملك الجان يرفض هذه العلاقة، ويتهم موشكا بأنها خرجت على عادات وقوانين الجان، ويتوعدها بإيذاء حبيبها، ولكنها تتمسك به، ويتعاهدان على البقاء معاً طوال الحياة، ويقول لها غدير:«سأحارب الجن والإنس والعالم بأكمله من أجلك»، وتتصاعد الأحداث ويعاقب ملك الجن غدير بأن يبقى عاجزاً وطريح الفراش، وتتوسل موشكا إلى ملكها ليعفو عن حبيبها، وتقول له مسترحمة:«اقتلوني ولكن لا تؤذوا حبيبي»، وينتهي العرض بموشكا وهي تحتضر، وتردد:«أريد أن أكون شجرة تنمو في أكثر بقاع الأرض حرارة وجفافاً»، ويحقق لها ملك الجان أمنيتها.

العرض رسالة حب عذبة، تؤكد أن المشاعر الحقيقية لا تعترف بأية فوارق بين المحبين، ورمزية الجن والأنس هنا تلفت إلى أن الكلمة الفصل للقلب مهما تباينت أوضاع المحبين أو اختلفت ظروفهم، وتأتي النهاية الحزينة نوعاً ما لتؤكد الطابع الأسطوري للقصة التي خلدها التراث الشعبي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق