تحتفل العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 20 الشهر الحالي بتنصيب الرئيس ال47 للولايات المتحدة، الرئيس القديم الجديد دونالد ترامب الذي سيشكل حالة نادرة وفريدة من نوعها في التاريخ الأمريكي لرئيس سابق خسر الانتخابات وعاد ليدخل السباق الرئاسي مرة أخرى ويفوز بولاية ثانية. وهذه الحادثة لم تحدث سوى مرة واحدة في التاريخ الأمريكي قبل قرن عندما فاز الرئيس كليفلاند بولاية ثانية في سيناريو شبيه بما حدث مع الرئيس المنتخب ترامب.
لكن أمريكا اليوم، تختلف عن أمريكا الأمس، حيث تقف اليوم على شفا كارثة حقيقية، فقد حذر محللون في «بنك أوف أمريكا» في وقت سابق من أن عبء الدين الأمريكي من المقرر أن يضيف تريليون دولار كل مئة يوم، ليصل إلى ستة وثلاثين تريليون دولار بحلول نهاية عام 2024، وقد صرح رجل الأعمال إيلون ماسك على منصة «x»: «إن الولايات المتحدة ربما تعلن إفلاسها بالفعل إذا لم تغير الوضع بزيادة ديونها الوطنية». ويقول بيتر بيريزين، كبير الاستراتيجيين العالميين في شركة «بي سي إيه» للأبحاث، إن الاقتصادين الأمريكي والكندي سوف يدخلان في حالة ركود في هذا العام. ولن يعاني أي منهما نفس النوع من الركود في الميزانيات العمومية الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، لكنه متشائم بشأن قدرة البنكين المركزيين على هندسة هبوط هادئ. وحذر خبراء السوق، من أن الولايات المتحدة لديها فرصة كبيرة للإفلاس قريباً، مع تقارير تزعم أن كل مواطن أمريكي، إذا تم رسم متوسط، يكون تحت دين يزيد قليلاً عن مئة ألف دولار لكل منهم، وسيكون من الصعب جداً التعافي إذا لم يتم وضع الإصلاحات اللازمة قيد التنفيذ.
وإذا أمعنا النظر في الأزمة، فإن بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي لا يملك القدرة على إيقاف هذا التدهور الرهيب، ما يعني أن الولايات المتحدة ستدخل العام الجديد مع إفلاس البنوك وتوقف الحياة الاقتصادية فيها عن العمل. وهذا ما يدعو إلى التساؤل: ما الذي أدى بهذه الدولة العظمى إلى هذا المنحدر؟
في الواقع هناك أسباب عديدة تضافرت مع بعضها لتصنع هذا الواقع المؤلم، لعل أولها هو انخفاض كبير طويل الأمد في معدل الربح من الخمسينات إلى السبعينات، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت تنتج، آنذاك، ثلثي الإنتاج الصناعي العالمي، لكنها كانت قد أدخلت نفسها في مشاريع إعمار عملاقة في أوروبا وآسيا، وفق ما يسمى مشروع مارشال، كما أنها أدخلت نفسها في صراع استراتيجي طويل الأمد مع الاتحاد السوفييتي السابق في مختلف المجالات، وكل ذلك تطلب منها إنفاق أموال طائلة لم تجنِ من وراء إنفاقها إلا القليل، وقد استجابت الشركات لأزمة قلة الربح بمحاولة استعادة معدل الربح من خلال مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، بما في ذلك خفض الأجور والمزايا. وقد نجحت هذه الاستراتيجيات، إلى حد كبير، في استعادة معدل الربح، لكنها أسفرت عن ركود الأجور الحقيقية للعمال لعقود من الزمن. ونتيجة لهذا، ارتفعت مديونية الأسر إلى مستويات غير مسبوقة، إضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع المديونية في القطاع المالي إلى زيادة عدم استقرار النظام المالي بشكل كبير.
الأمر الثاني يكمن في طبيعة النظام الرأسمالي فالدولة لا تتدخل في وسائل الإنتاج ولا في حركة رأس المال، فمثلاً لا يوجد في الولايات المتحدة مؤسسة واحدة تعود ملكيتها للدولة، بل إن كل المؤسسات هي شركات خاصة، حتى بنوك الاحتياط التي تطبع الدولار، ومن ثم، فإن الدولة بصفتها هيئة اعتبارية لا تستطيع التحكم في عملية الإنتاج، ولا تستطيع التحكم في حركة رأس المال، ما يجعلها في موقع المفعول وليس الفاعل، فمن دون شك أن امتلاك الدولة لعناصر الثروة الأساسية هو أمر مهم في تثبيت استقرارها المالي، ولا تملك الولايات المتحدة هذه الميزة، ما أوقعها في مستنقع الإفلاس، وهي قائدة الاقتصاد العالمي. ولعل الاتجاه إلى التأميم، وخاصة للمؤسسات المالية المهمة هو أمر ضروري لمنع حدوث الأزمات، حيث يكون بوسع الدولة التحكم بسياساتها المالية.
وكذلك، فإن سياسات الهيمنة ونشر القوات هنا وهناك استوجب ميزانية ضخمة من أجل ذلك، حيث بلغت ميزانية الدفاع لعام 2025 ثمانمئة وخمسين مليار دولار، وكل هذه الأموال تذهب رواتب للجنود والضباط ومن أجل صيانة المعدات، والانتشار الكبير في شتى القواعد العسكرية استنزاف كبير للموازنة. وقد عزم ترامب على خفض النفقات الحكومية الضرورية من خلال تشكيل إدارة فيدرالية تُعرف باسم «DOGE»، رشح لها فيفيك راماسوامي وإيلون ماسك بصفتهما رئيسين مشاركين. مهمتهما الأساسية، العمل على الحد من الإنفاق الحكومي غير المنضبط.
لكن هل لدى الرئيس القادم ترامب، القدرة على تخفيض الانتشار العسكري للولايات المتحدة، وهل سيكون قادراً على ضبط الإنفاق العسكري بشكل عام؟ ماذا لو تمددت قوى أخرى في هذا الفراغ؟ لذا ستكون إدارة ترامب مضطرة للإبقاء على الوضع الحالي مع ترشيد النفقات، وقد تم إبلاغ المسؤولين الأوروبيين بأن الرئيس الأمريكي ترامب سيطالب دول حلف الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، مع استمراره في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
[email protected]
0 تعليق