الصداقة بين الحقيقة والافتراض - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

في زمن ليس ببعيد، كانت الصداقة تبنى على اللقاءات المباشرة والذكريات المشتركة التي تنسجها التجارب اليومية، كان الأصدقاء يلتقون في المجالس والمقاهي وفي الرحلات، يتبادلون الأحاديث وجهاً لوجه، ويعيشون لحظات حقيقية لا تشوبها الوسائط الرقمية، لكن مع دخول شبكة الإنترنت، وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي إلى حياتنا، تغيرت طبيعة العلاقات الإنسانية، وتحديداً مفهوم الصداقة
وسائل التواصل الاجتماعي قدمت مفهوماً جديداً للصداقة، حيث أصبح بإمكانك أن تكون صديقاً لشخص لم تلتق به يوماً، وربما لن تلتقي به أبداً، في هذا العالم الرقمي تختصر «إضافة» أو «متابعة» طريق الصداقة الذي كان يتطلب في الماضي جهداً ووقتاً طويلاً، لكن هذا التبسيط يحمل في طياته تساؤلات عميقة: هل يمكن أن تكون هذه العلاقات الرقمية بنفس قوة وعمق العلاقات التقليدية؟ أم أن الصداقة أصبحت مجرد قائمة من الأسماء والصور على الشاشة؟
أحد التحولات الرئيسية التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي هي توسيع دائرة العلاقات، في السابق، كانت الصداقات تقتصر غالباً على الدوائر المحلية، سواء كانت العائلة، أو المدرسة، أو مكان العمل، أما اليوم فأصبح بالإمكان بناء صداقات مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم، ما يثري التجربة الإنسانية، ويوفر فرصاً للتواصل الثقافي والفكري. ومع ذلك قد يكون هذا الاتساع سطحياً في كثير من الأحيان، فوجود مئات أو حتى آلاف الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعني بالضرورة وجود علاقات حقيقية وعميقة.
جانب آخر من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي هو التركيز على الصورة المثالية، على هذه المنصات غالباً ما يقدم الأفراد نسخاً محسنة من أنفسهم، مملوءة باللحظات السعيدة والإنجازات، هذا يعزز من التوقعات غير الواقعية، ويخلق نوعاً من المنافسة الخفية بين الأصدقاء، بدلاً من أن تكون الصداقة مساحة للتواصل الصادق والدعم، تصبح أحياناً منصة للموازنة والقياس.
رغم هذه التحديات، لا يمكن إنكار الفوائد التي جلبتها وسائل التواصل الاجتماعي للصداقة، فقد أسهمت في الحفاظ على الروابط بين الأصدقاء الذين تفرقهم المسافات، بفضل هذه المنصات يمكن للأصدقاء أن يظلوا على اتصال، ويتابعوا أخبار بعضهم البعض، ويشاركوا اللحظات المهمة في حياتهم، كما أنها توفر وسيلة للتعبير عن الدعم والمساندة، خاصة في الأوقات الصعبة.
الجانب المهم أن يكون هناك فهم لحدود الصداقات الحديثة، التي تقوم على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم تحميلها أكبر مما تتحمل وتستحق.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق