«الديواني الجلي».. الخط يتحدث بالجمال - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: جاكاتي الشيخ

لا يزال ملتقى الشارقة للخط مستمراً في الوفاء بما تأسس عليه من مبادئ، ومن أهمها تشجيع الفنانين المبدعين المشتغلين في هذا الفن، وإبراز المواهب الشابة التي تمثل حلقة المواصلة في بقاء إبداعه، بما له من أصالة وما يتيحه من تجديد، ومن تلك المواهب الخطاطة الإماراتية الشابة فاطمة علي عبد الله سالمين.
تعتبر فنانتنا من جيل الخطاطين الشباب الواعدين، الذين عشقوا هذا الفن وتعلموا خصائصه بأنواعه المختلفة، حيث لم يمنعها تخصصها العلمي من المضي قدماً في الإحاطة بما أمكنها من الأسرار الجمالية للخط، فعكفت على التدرب عليه ودراسته، حتى استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة بين الخطاطين الإماراتيين المعاصرين، بفضل ما تتميز به من قدرات فنية، تبرز في العديد من أعمالها مثل اللوحة التي بين أيدينا.
* جمالية بصرية
إن اختيار فاطمة سالمين للنص المأثور: «إِنَّ أَحْسَنَ الْحُسْنِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ» هو اختيار ذو بعدين، بُعد جمالي يتعلق بما يريد الخطاط أن يبدو عليه شكل العمل، وبعد مضموني يتعلق بفحواه ورسالته الأخلاقية، فهو نص يمجد الخلق الحسن، ويصفه بأنه «أحسن الحُسْن»، أي غاية ما يمكن أن يصل إليه الجمال، لأن حُسن الخلق سجية حميدة ومَنْقبَة فاضلة، تُصبِغ على المتصف بها أُلفة لدى كل الناس، فطلاقة وجهه الدائمة ولطفه في معاملاته لغيره تكون بمثابة بطاقة دخول آمن إلى القلوب، وهي صفة تتفق كل الشرائع والأعراف على سموّها، وكلها أسباب أدت إلى أن تخرج لنا الخطاطة العمل بهذا الإتقان والجمال.
لقد اختارت فاطمة أن تكتب نص عملها بخط الديواني الجلي، لما يتميز به من جمالية بصرية، تتيح خصائصُه إمكانية تحقيقها بشكل متفرد، ومن أهمها طواعية حروفه للتكوين، وهو ما قد لا يتطلب من الفنان سوى الالتزام بالقاعدة الأصلية لثبات الشكل، على أن يمتلك الحرية في تصميم تكويناته وتنفيذها بتباين في أحجام الخطوط والحروف، وهذا ما لا تتيحه أنواع الخط الأخرى، ومن تلك الخصائص كذلك اعتماده على استدارة الحروف وتقويسها وتداخلها، والإكثار من علامات الزخرفة التي تملأ الفراغات مع النقاط وحركات التشكيل، ما يجعله خطاً زخرفياً بامتياز، وهي كلها مميزات حرصت الفنانة على تطبيقها في اللوحة.
* تناظر مقلوب
صمّمت فاطمة سالمين لوحتها الخطية بتكوين بيضاوي، وتناظرٍ نَصِّيٍّ مقلوب، مستغلة مرونة حروف خط الديواني الجلي، لتبدو في تناسق بصري سلس، فخطت الجزء الأول من النص بالوضعية الطبيعية للكتابة، بينما خطت الجزء الثاني بوضعية مقلوبة رأساً على عقب، حيث بدأت الأول بكتابة «أحسن»، منطلقة بألفها من الأعلى ومقوّسة أسفلها، ومدوّرة حرف الحاء ليشكل جزؤه السفلي الحد الأيمن للشكل البيضاوي، وجاعلة حرف السين في حضنها، في ما جعلت النون قاعدة حاملة للكلمة التالية «الحسن»، وكأنها تريد تأكيد المعنى التفضيلي للخصلة التي تتناولها اللوحة، وقد كتبت «الحسن» مُصغِّرة لامها المرسومة فوق حرف الحاء، وخطت بقية حروفها على المنوال نفسه الذي خطت عليه «أحسن»، مع كبر في حجم «الحسن»، لتملأ هذه الكلمة المساحة المخصصة لها من الشكل البيضاوي، أما الجزء الثاني المقلوب فقد خطته بطريقة مشابهة تماماً لسابقه، حيث عمدت إلى كتابة «الخلق» بطريقة مشابهة لكتابة «أحسن»، جاعلة حروفها الأولى بالرسم نفسه، فجاءت الألف منطلقة من الأعلى ومُقوسة في جزئها السفلي، وصغّرت الألف، وكتبت الخاء على ذات الهيئة التي كتبت بها حاء «أحسن»، وركّبت اللام على كلمة «الحسن»، التي ركّبت ألفها بدورها على كلمة «الخلق»، بينما جعلت القاف قاعدة حاملة لكلمة «الحسن»، وكأنها بكتابتها المقلوبة للجزء الأخير من النص تريد أن تشدّ القارئ إلى التمعن في القراءة، وبذل الجهد للكشف عن الكنز الذي تحتويه اللوحة، حين دعت إلى معرفة «أحسن الحسن»، ألا وهو «الخلق الحسن».
وإذا كانت خطاطتنا قد اجتهدت في تقديم كنز وقيمة فاضلة، فإنها قد أبدعت أيضا في تقديم عمل فني أصيل، يلتزم بالخصائص الجمالية للخط العربي، وخاصة خط الديواني الجلي، الذي قدمته في أبهى حلّة، على بساط من الورق المقهر، تناسق فيه لونه مع لون الخط البُنّي، للإحالة إلى الارتباط الوثيق بين حسن فن الخط وحسن الخلق.
* إضاءة
اهتمت فاطمة سالمين بالخط منذ صغرها، وهي خريجة كلية تقنية الفجيرة العليا للطالبات سنة 2011، وحاصلة على شهادة دبلوم في إدارة الأعمال، حيث تعمل الآن موظفة بالهيئة الاتحادية للكهرباء والماء، كما أنها منتسبة إلى مركز الفنون في دبا الحصن منذ سنة 2009، وتتمتّع بعضوية جمعية الإمارات للخط العربي والزخرفة الإسلامية، وتواصل الغوص في عالم الخط طالبةً لدى الأستاذ ياسر العشري، وقد أنجزت العديد من الأعمال الفنية، وتمكنت من حصد عدة جوائز، حيث حصلت مرتين على المركز الأول لجائزة العويس للإبداع للخط العربي، فئة الشباب عام 2015 و2017، وحصلت على المركز الأول في ذات المسابقة لفئة الكبار عام 2020، وعلى جائزة الخطاط الإماراتي في ملتقى الشارقة للخط في دورته الثامنة سنة 2018، وشاركت في العديد من المعارض والفعاليات الخطية داخل الدولة وخارجها، منها المشاركة في إكسبو دبي 2020 مع المؤسسة الاتحادية للشباب.

أخبار ذات صلة

0 تعليق