حين يرد اسم يحيى حقي (1905 – 1992) تحضر صورة القاص والروائي والصحفي، صاحب الرواية الشهيرة «قنديل أم هاشم» التي تعدّ من أولى الروايات العربية، التي يحضر فيها الآخر، الأوروبي تحديداً، في الأدب العربي الحديث. تمّ تحويل الرواية إلى السينما في عام 1968، حيث أعدّ صبري موسى سيناريو الفيلم، وأخرجه كمال عطية، وأدى دور البطولة فيه شكري سرحان.
يسافر بطل الرواية إسماعيل طالب، الذي نشأ في كنف عائلته في حي السيدة زينب، إلى ألمانيا لاستكمال دراسة الطب، فيحتك بالحضارة الأوروبية، وحين يعود إلى مصر محملاً بمعارفه الطبية التي اكتسبها من دراسته يفتح عيادة لطب العيون في نفس الحي الذي ولد فيه، ليعيش التناقض بين ما تعلمه وما يراه في المحيط الفقير من حوله.
هذا ما يحضر حين يرد اسم حقي، ولا تحضر كثيراً خلفيته المهنية، حيث درس الحقوق، وعمل بالمحاماة، قبل أن يلتحق بالعمل الدبلوماسي، ولهذا الالتحاق حكاية ترد في الكتاب الذي يحمل اسم «ذكريات مطويّة»، من إعداد ابنته نهى وإبراهيم عبد العزيز، وهو عبارة عن مجموعة حوارات أجريت مع حقي عن سيرته في مراحل حياته المختلفة.
في أواخر عام 1921 وبينما هو راقد في سريره من شدة التعب في مدينة منفلوط، حيث كان يعمل معاون إدارة، قرأ في الجريدة إعلاناً من وزارة الخارجية المصرية عن حاجتها إلى أشخاص لتعيينهم كسكرتيري قنصلية أو سفارة، وسيكون الامتحان فيها بواحدة من اللغتين: الإنجليزية أو الفرنسية. توكل على الله وقدّم الطلب. كان الامتحان بوصفه «جاداً جداً»، وحين ظهرت النتائج وجد اسمه في ذيل قائمة من اجتازوا الامتحان بنجاح، وهكذا جرى اختياره ليكون سكرتيراً في القنصلية المصرية في مدينة جدة السعودية، في مرحلة فاصلة من تاريخ الحجاز، حيث كان الصراع على أشده بين الشريف حسين والملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة.
في الحوار المشار إليه حكى يحيى حقي تفاصيل كثيرة عن تلك المرحلة من موقع من عاش التجربة ورآها بأم عينيه. لم تخلُ ذكريات بدايته الأولى في العمل الدبلوماسي من طرائف، بينها أنه على متن الباخرة التي نقلته من مصر إلى جدّة، تقدم نحوه رجل هولندي يعمل متعهد سفر قدم إليه صندوقاً وهو يقول: هذا الصندوق به أشياء دقيقة هربتها، ولكني أخشى أن أدخل به فيقوم مفتشو الجمارك بمصادرته أو إتلافه، وبوصفك دبلوماسياً هل بإمكانك مساعدتي في إدخاله بجعله جزءاً من أمتعتك؟ يقول يحيى حقي: «كان عمري يومها اثنين وعشرين عاماً فقط، وإذا بي أقف أمام مشكلة تعتبر من أهم مشاكل العمل الدبلوماسي وهي التهريب، لكن الله هداني فاعتذرت من الرجل».
0 تعليق