عيدان يهلّان علينا هذا الأسبوع، هما عيد الميلاد المجيد، وعيد رأس السنة، فيما العالم يعجّ بالصراعات والحروب والأزمات، من دون أن تتعلم القوى الكبرى المتصارعة على النفوذ، والمؤججة للصراعات، شيئاً من دروس العيدين ومعناهما وما يحملانه من قيم دينية وإنسانية تتجاوز كل أشكال الخلافات، وتدعو لتطهير الروح وتعظيم قيمة الإنسان، ونشر المحبة والسلام والرحمة والتلاقي، ونبذ الفرقة والانقسام.
في عيد الميلاد يتم استحضار تعاليم السيد المسيح التي تدعو للمحبة ونشر السلام، حيث يتجلى الحب بأجمل صوره، فهو معلم المحبة والتسامح والصفح، لكن شتان بين تعاليمه وبين ما تمارسه الأنظمة الغربية المسيحية من ظلم وجور وانتهاك لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان ودعم للباطل.
وفي عيد رأس السنة، بدلاً من أن يطوي العالم الصفحات السوداء الملطخة بالدم، يبدأ عاماً جديداً يحمل كل سمات العام المنقضي بكل سيئاته، من حروب وصراعات وفتن ومؤامرات، وتهديد بحروب عالمية جديدة وكوارث نووية لا تبقي ولا تذر.
في العيدين، ترتفع صرخات المؤمنين بالسلام، المتمسكين بالأمل أن يلتزم العالم بما يحقق هدف البشرية من مضامين العيدين، والالتزام بحق الإنسان في الحياة باعتباره قيمة عليا، وخليفة الله في الأرض، الذي فضّله على سائر خلقه.
لكن شتان بين مضامين الأعياد الكريمة والممارسات على الأرض. فالمنطقة العربية تخضع لأبشع صنوف الحروب، من حرب الإبادة في غزة، والعدوان الإسرائيلي على لبنان، إلى الحرب الأهلية في السودان، والمخاطر التي تهدد اليمن وبلاد الشام، والحديث عن خرائط جديدة للشرق الأوسط، واستحضار «الفوضى الخلاقة»، و«سايكس بيكو» جديد، وتقسيم وتفتيت على أسس طائفية وعرقية. كلها تحل هذا العام، وتنتقل معنا إلى العام المقبل.
وهناك في أوكرانيا حرب كادت تنهي عامها الثاني، وما زالت تحصد آلاف البشر من مدنيين وعسكريين، وتستخدم فيها أحدث أسلحة التدمير تطوراً، وتغلق أمامها كل أبواب السلام والمفاوضات، ويحشد لها الدعم، وصب الزيت على النار من أجل تأجيج أوارها لعل ذلك يحقق هدفاً يتمثل بهزيمة روسيا وإذلالها.
وبعيداً عن أوكرانيا ما زالت الأوضاع بين الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى تنذر بمواجهات عسكرية بسبب أزمات مستعصية حول تايوان وبحر الصين الجنوبي، والمحيطين الهندي والهادئ، والتنافس المتصاعد بين بكين وواشنطن حول التجارة والتكنولوجيا، كما أن شبه الجزيرة الكورية ينذر بمزيد من التوتر بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية.
كل هذه الأزمات القاتلة التي تهدد البشرية، يضاف إليها أزمة البيئة واضطراب المناخ نتيجة ارتفاع
درجة حرارة الأرض وما يسببه ذلك من كوارث طبيعية تطال ملايين البشر، مع تصاعد أعداد الجياع في العالم وانتشار الأوبئة والأمراض، تنتقل إلى العام الجديد مع ما يمكن أن يضيف إليها من كوارث وفواجع.
ومع ذلك، يحدونا الأمل بأن يبدأ العالم سنة جديدة مختلفة عن العام الحالي، حاملة معها بشائر الأمل بالسلام والأمن والعدالة والتسامح.
0 تعليق