لبنان والأمن القومي العربي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمد خليفة
لم يكد الشعب اللبناني الشقيق يلملم جرحه عقب الأزمة الاقتصادية التي عصفت باقتصاده، حتى وجد نفسه وسط كارثة أخرى تتمثل في العدوان الإسرائيلي الذي استباح سماءه، وها هو يستعد لاجتياح جنوب لبنان برياً، ضارباً بالقانون الدولي عرض الحائط.
ثمة عوامل متعددة دفعت هذا البلد العربي الشقيق إلى ذلك المهوى الخطير، فكم عانى هذا الشعب صراعات، وكأن قدره أن يغرق في عدم الاستقرار، وأن ينتهي كواقع سياسي من خريطة المنطقة. إن على الدول العربية أن تتحرك وفق آليات معينة تعمل من خلالها على مساعدة اللبنانيين كشعب عربي قبل فوات الأوان، ووقوع الكارثة على هذا الشعب؛ فضياع لبنان يشكل ضربة جديدة للأمن القومي العربي.
ومن هذا المنطلق بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة لتقديم الدعم والمساندة، في ظل تصاعد العنف ونزوح مئات الآلاف من اللبنانيين من مناطق سكناهم في الجنوب وبيروت؛ وذلك لإيمان القائد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يحمل هم أمته ويعمل ما في وسعه لتوحيد الصف، ونبذ الخلاف، وغرس روح الحوار ومبادئه وجعله منهجاً وأسلوب حياة؛ حيث أمر سموه بتقديم حزمة مساعدات إغاثية بقيمة مائة مليون دولار أمريكي إلى الأشقاء في لبنان، وحزمة مساعدات إنسانية، وذلك بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، في إرسال طائرة مساعدات تحمل 40 طناً من الإمدادات الطبية. كما أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية، في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، بياناً، «عبرت فيه دولة الإمارات عن قلقها البالغ من التطورات التي تجري في لبنان، ومن تداعيات انزلاق هذه الأوضاع الخطرة، وتأثيرها على الاستقرار في المنطقة. وأكدت دولة الإمارات موقفها الثابت تجاه وحدة لبنان، وسيادته الوطنية وسلامة أراضيه».
إن العلاقات بين دولة الإمارات ولبنان الشقيق قوية ومتجذرة؛ حيث يجمعهما رباط العروبة الجامع، وهي تتميز بعمق الرؤية، وصدق المشاعر، والالتقاء حول هموم وطموحات مشتركة، كان في مقدمها استقرار لبنان وعودته كدولة فاعلة في محيطها العربي والعالمي، وهو المحور الأول الذي التقت حوله خيارات وجهود دولة الإمارات؛ لتعزيز حق لبنان في الدفاع عن وحدته وأرضه. واستمر دعم دولة الإمارات للبنان ووقوفها إلى جانبه لإزالة آثار الاحتلال الإسرائيلي ومخلفاته، وذلك بتوجيهات من الراحل الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله؛ حيث تبنت دولة الإمارات مشروع إخلاء الجنوب اللبناني من الألغام.
وقد تم تجديد هذا المشروع بعد حرب عام 2006؛ حيث نفذت دولة الإمارات العربية المتحدة «مشروع إزالة الألغام والقنابل العنقودية من الجنوب» بتكلفة خمسين مليون دولار أمريكي؛ حيث شمل المشروع تنظيف مساحة تزيد على ثلاثة ملايين متر مربع، وتم تفجير أكثر من 26 ألف لغم مضاد للأفراد، فيما بلغ عدد الحقول التي تم تسليمها للأهالي مئة وستة وسبعين حقلاً. وأسهم المشروع في إعادة الحياة الطبيعية لجميع المناطق التي شملها، وأدى إلى تحسين الأوضاع المعيشية للسكان الذين عادوا بعد انقطاع طويل للعمل في حقولهم، وجني محاصيلها بعد أن تم تطهيرها بالكامل من مختلف أنواع الألغام والعبوات المتفجرة التي لطالما حصدت أرواح الأبرياء.
وتعتبر العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات ولبنان متميزة، وذات مسارات متعددة؛ حيث تعد دولة الإمارات المصدر الرئيسي للاستثمارات العربية المباشرة إلى لبنان، فقد استثمرت بكثافة في القطاعين العقاري والتجاري في هذا البلد، وكانت دولة الإمارات تسعى إلى تعزيز استثماراتها لتشمل مجالات أخرى مثل: الطاقة والمناطق الحرة، ما أسهم في زيادة ثقة المستثمرين من الدول الأخرى لدخول السوق اللبنانية، ومساعدتها على التغلب على الأوضاع الاقتصادية.
ووفق إحصائيات إماراتية، فإن الاستثمارات الإماراتية تستحوذ على أحد عشر في المئة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى لبنان. وفي قراءة لمؤشرات التعاون التجاري والاستثماري، فقد كان هناك تقدم تحقق على صعيد التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات ولبنان، بإجمالي بلغ أكثر من 2.6 مليار دولار. وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر شريك تجاري عربي للبنان، وسابع أكبر شريك تجاري لها على الصعيد العالمي، كما تأتي في المرتبة الأولى عالمياً في استقبال الصادرات اللبنانية، إذ استحوذت على أربعة عشر في المئة من صادرات لبنان السلعية خلال الأعوام الماضية. ويعد الألومنيوم وملحقاته، والصناعات الدوائية، واللؤلؤ والمعادن النفيسة أبرز ما يستورده لبنان من دولة الإمارات. وتعد الزيوت العطرية، والعطور، ومواد التجميل، والخضراوات والمزروعات أبرز ما يصدره لبنان إلى دولة الإمارات. وحالياً لا تشهد الاستثمارات بين البلدين أي جديد في ظل الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة على الساحة اللبنانية، وذلك على الرغم من محاولات الهيئات الاقتصادية اللبنانية معالجة الموضوع، وإرسال أكثر من رسالة إيجابية ولكنها ظلت دون سقف التوقعات، كما تم افتتاح مكتب تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية - الخليجية دون أن يتم تفعيله.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة هي قوة خير لكل العرب، وهي تطمح إلى أن يعود لبنان
إلى سابق عهده، كمركز إشعاع فكري وثقافي، وأن يبقى لبنان بتنوعه الحضاري نموذجاً في المنطقة.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق