يوقع ترامب في الساعة الأولى على تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية حزمة من القرارات، وسط هالة إعلامية ضخمة، ووسط نخبة المجتمع الأمريكي السياسية والإدارية. رؤساء أمريكا القدامى إلى جانب زوجاتهم ضمن بروتوكول أرستقراطي كاريزمي. وكل حركة محسوبة ومحدودة. الابتسامة الصغيرة المقتضبة وحدها لها لغة تأويل، طريقة الدخول والخروج من وإلى صالة الاحتفال خضعت لتدريب بدني وسيكولوجي يتقنه جيداً المستشارون في مثل هذه الحالات النفسية والتاريخية في الوقت نفسه، أما الاحتفال برمّته فهو في جانب نفسي وإعلامي منه رسالة بصرية صارمة للعالم: هذه أمريكا.. القوّة، والثراء، المال والسلطة.
العصر الذهبي يبدأ بعد عصور الهندي الأحمر، وتجارة العبيد، والقنبلة النووية.
مشهدية التنصيب الرئاسي الأمريكي لغة موجّهة إلى العالم، ولم ينسَ السيد الرئيس أنه أمريكي يتحدث بالإنجليزية. والمال في حدّ ذاته لغة، القوّة لغة. أمريكا في حدّ ذاتها لغة. ولا يهم إن كان إزرا باوند يكتب بالإنجليزية. ليس المهم أن يجلس آرنست همنغواي على أحد مقاعد نوبل وهو يكتب باللغة الثالثة لشكسبير. والت ويتمان أيضاً أكثر من جعل من أمريكا إلهاً من الدولارات والأسلحة، لا يهم إن كان لسانه إنجليزياً. مرة ثانية يا حبيبي، اللغة هي القوّة.
ابتعدت قليلاً أو كثيراً عن توقيع ترامب. وكان الرجل في الساعة الأولى من رئاسته قد وقع بقلم حبر أسود حزمة من القرارات العاجلة. رفع ترامب الوثيقة الموقّعة وتعمدت الكاميرا التركيز البصري على التوقيع الذي يشبه المنشار. توقيع تأكيدي إعلامي سيكولوجي هو الآخر. توقيع لم أرَ له مثيلاً في القراءة النفسية لتوقيع الإنسان على ورقة أو وثيقة أو صك. منشار من اليمين إلى اليسار بحبر أسود دفّاق..
عندي ضعف نفسي قديم تجاه أقلام الحبر. وكان بروتوكول التنصيب قد وضع أمام الرئيس صندوقاً فُرِدَت فيه عدة أقلام. شيء ما يشبه علبة السيجار الكوبي.
أعطى موظف البروتوكول قلماً للرئيس ترامب الذي راح يرسم بالحبر الأسود منشاراً على الورق الرئاسي، وفيما هو انتهى من احتكاك المنشار بالورق رفع الرئيس وثيقة التوقيع. كان التوقيع أكبر من النصّ المكتوب في الوثيقة.
هذه المشهدية التوقيعية تُضاف أيضاً إلى محتوى الرسالة الإعلامية والنفسية الأمريكية الموجهة إلى العالم: أيها العالم، نحن من نشر الجينز، والهمبرغر، والكاديلاك، نحن جلاوزة المصرف، ودهاة الميديا، وصنّاع الأسواق، ورعاة البيزنس، ونجوم ثقافة الترويج والاستهلاك.
منشار أمريكي بقلم كبير «رايح واكل، جاي واكل» بلغة بسطاء العرب الفقراء.
[email protected]
0 تعليق