ضرائب تقليد المغلوب للغالب - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

لماذا إلى الآن لم تأت أيّ دراسة بالخبر اليقين، في أسباب المسيرة الانحدرايّة التي آلت إليها الفنون؟ أمّا إذا رمنا البحث عن عللها في إطار الثقافة العربية فقط، فنجوم السماء أقرب. يقيناً، الأجوبة عن أسئلة «كيف»، هي دائماً أسهل بما لا يقاس، من أجوبة «لماذا»، لأن حضرة «لماذا» تُلقي بالعقل إلى الفلسفة، إلى ما بعد المادّة والمعلوم والمعلومات. مثلاً: ما يدوّخ الفيزيائيين هو: «لماذا ثمّة شيء بدلاً من لا شيء؟». الدين يحل لنا المسألة إيمانيّاً، كمسلمين: «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً».
في الغرب، الدراسات كثيرة، بالرغم من أنها لا تخرج عن نطاق «كيف»، أي أنها تصف تسلسل الأحداث ولا تقول لماذا حدثت. مِن أمتعِها «سقوط الحضارة» للبريطاني كولن ويلسون. جميل توصيف تدرّج ضبابية الرؤية الأدبيّة والفنّيّة، من الكلاسيكية التي كانت جليّةً لا غموض فيها، إلى الرومانسية التي بدأت تظهر في سمائها لمسات سحاب، إلى الانطباعية التي صارت الخطوط فيها تتمازج، إلى الرمزيّة، وإن كانت تعيدنا قروناً إلى عوالم الصوفية في الشرق، في الصين، الهند، فارس، البلاد العربية... بعد الرمزية جاءت الداديّة، السوريالية، التجريدية إلخ.
من مواطن الضعف في الثقافة العربية المعاصرة، وقوع المثقفين في فخ «المغلوب يقلّد الغالب». أضحت التيارات الأدبية والفنيّة، كأنها موضات سراويل وقمصان. خرج الشعر الأوروبي من أنواع عدد المقاطع الصوتية في البيت، فانبرى السيّاب ونازك الملائكة وآخرون، وكتبوا شعر التفعيلة. هكذا كان الأمر في إيران، في السنوات نفسها، ظهر نيما يوشيج (اسمه الحقيقي علي إسفندياري)، وشعر التفعيلة وأرسى ما يسمّونه الشعر النيمائي. في النهاية نطح الشعر الأوروبي الحائط بقصيدة النثر، القصيدة المضادة، شعر الحداثة، وبطريقة أشعبيّة، مع المعذرة، اصطفت الجموع خلفهم. تبيّن بعد ذلك أن الشعر «سيأكل علقة». لا علينا بأن تلك التيارات كانت تصل إلى العالم العربي متأخرة عقدين أو أكثر. هكذا كانت التيارات النقدية.
المؤسف الذي لا نستطيع تلافيه، هو أننا لم نشقّ طريق نموّ طبيعي لفنوننا وأدبنا وفكرنا، ولا المغلوب العربي قلّد الغالب الغربي، في المدرسة النمساوية الموسيقية الأولى (باخ، موتزارت، بيتهوفن)، ولا في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، وصروح البحث العلمي، وإنتاج العلوم، وأدوات القوة، بينما الغرب أخذ منّا فكر ابن خلدون، واستثمر منارات ابن رشد الفلسفية، ومنذ سنوات يلهج الكوكب بالخوارزميات في الذكاء الاصطناعي، والخوارزمي لم يغادر بلاط المأمون ليقف على أطلال الأمويين والعباسيين.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستراتيجية: نسي القلم أن الغرب اختطف منّا مجمع القوى الذي لخّصه المتنبي في: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ» أي (الرماح العوالي).
[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق