غصت قاعة روتوندا في مبنى الكابيتول بالمدعوين لحضور تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرة الثانية رئيساً للولايات المتحدة، وكان من بين الحضور الرئيس السابق جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، إضافة إلى الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون، الذين استمعوا إلى خطاب التنصيب الذي حفل بالقرارات التي تترجم مواقفه التي كان أعلنها خلال حملاته الانتخابية، وأكد فيها عزمه على تغيير وجه أمريكا واستعادة مكانتها من الانحدار وإعادة «عصرها الذهبي». حيث عمد فور وصوله إلى المكتب البيضاوي، وقبل انتهاء مراسم حفل تنصيبه إلى توقيع سلسلة من القرارات والأوامر التنفيذية وإلغاء وتجميد أخرى.
لم يراع ترامب وجود رئيس أمريكي سلمه للتو منصب الرئيس، فوجه إليه انتقاداً مباشراً واتهمه بأنه «لم يستطع إدارة أزمة بسيطة في الداخل، بينما تعثر في نفس الوقت في أحداث كارثية في الخارج»، وأضاف «كما أنه فشل في حماية مواطنينا الرائعين الملتزمين بالقانون، وأتاح ملاذاً وحماية للمجرمين الخطرين». وكأنه يريد البدء من جديد، من دون الأخذ في الاعتبار الاستمرارية والتواصل بين الإدارات الأمريكية واحترام الالتزامات الدولية الخاصة بالمعاهدات والاتفاقات المبرمة مع الدول والمنظمات الدولية.
من الواضح أن ترامب يحاول أن يترك بصمته الخاصة على «أمريكا أولاً» و«القوية من جديد» ويلغي كل إنجازات الإدارات السابقة التي يعتبرها فاشلة، ويحدث معها قطيعة كاملة، وكأنه يبدأ من الصفر بإدارة جديدة وبرنامج عمل مختلف عما اعتادته الإدارات السابق، ولذلك بداً حاداً وصدامياً في إثارته للعديد من المواقف التي تمس علاقات بلاده مع الآخرين، مثل مسألة الهجرة مع جارته المكسيك، وإعلان حالة الطوارئ على الحدود معها لوقف المهاجرين غير الشرعيين، ومواصلة بناء الجدار الفاصل معها، كما وقّع على أمر يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية «التي تخدعنا..
وهذا لن يحدث بعد الآن»، وهي المرة الثانية التي ينسحب فيها ترامب من المنظمة بعدما كان اتهمها عام 2020 بالفشل في التعامل مع جائحة كورونا، ثم أعاد الرئيس بايدن الولايات المتحدة إلى المنظمة في اليوم الأول لولايته عام 2021. كما أصدر ترامب عفواً عن 1500 من المتهمين بأعمال عنف ضد الشرطة خلال الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، اعتبره الديمقراطيون «تقويضاً لنظام العدالة». ومن بين الأوامر التنفيذية الأخرى إعادة إدراج كوبا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتعليق المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً لحين إجراء مراجعات لتحديد مدى توافقها مع أهداف سياسته، كذلك أصدر أمراً تنفيذياً يقضي ببدء إجراءات تسمية «خليج المكسيك» ليصبح «خليج أمريكا»، وهو الأمر الذي أثار ضحك المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون، باعتبارها تأكيداً «لعظمة أمريكا» حسب وصف ترامب.
اللافت للانتباه أن ترامب وقّع أيضاً أمراً تنفيذياً ألغى بموجبه العقوبات التي كانت الإدارة السابقة فرضتها على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال إرهابية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ووصف وزير الأمن الإسرائيلي السابق إيتمار بن غفير القرار بأنه «تصحيح لظلم استمر لسنوات».
من الواضح أن ترامب الثاني غير ترامب الأول، بل قد يكون نسخة متطورة يحمل معه إرث أربع سنوات من اتهامات ومواقف تناولته ونالت من صورته وسمعته، وجاء كي يقول لكل من وقفوا ضده: لقد هزمتكم.. أنا الأوحد!
0 تعليق