تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه دون أي مفاجآت، باستثناء مراسيمه وقراراته التي وقعها أمام الآلاف من أنصاره في احتفال استعراضي قرب مبنى الكابيتول، واستكملها بعد دخوله البيت الأبيض، متعهداً بإطلاق موجة تغيير كبرى في الولايات المتحدة ومنها إلى العالم.
في خطاب التنصيب، وبحضور الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن وطاقم الإدارتين والضيوف الأجانب المخصوصين، تحدث ترامب عن «عصر ذهبي» ينتظر الأمريكيين وبدأ الآن بعد أفول، ولم يترك الفرصة تمر من دون انتقاد الإدارة السابقة، وما أسماه الفساد وتبديد الأموال على الحروب الخارجية والمساعدات، وتوعد بترحيل المهاجرين غير النظاميين، ونشر قوات حرس الحدود، وأمر بالإفراج عن 1500 شخص من أنصاره شاركوا في اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني عام 2021، وقال إن خليج المكسيك سيصبح أمريكياً وسيستعيد قناة بنما. وهذا غيض من فيض ما في جعبة الرئيس الأمريكي الجديد المزدحمة بالقرارات والصفقات والتوترات مع كثير من القوى الدولية، وأولها حلفاء الولايات المتحدة التقليديون مثل الاتحاد الأوروبي وكندا، أما الخصوم فسيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما استمرار الخصومة أو القبول بصفقات يريدها وموافقات على إجراءات يراها مطلوبه لبلاده في عهده، حتى تنهض وتستعيد مجدها، وتظل عظيمة كما يحلم.
منذ ما قبل التنصيب، وحتى في ولايته الأولى، يحاول ترامب أن يسوّق لنفسه على أنه زعيم أمريكي وليس مجرد رئيس إدارة يستكمل طريق أسلافه، ويحلم بأن يؤسس لمرحلة مختلفة وتاريخ جديد، ويحرص على أن تلاحقه وسائل الإعلام لتتداول مواقفه المثيرة، وتروج له في أحسن صورة يرتضيها. ولأنه يرى نفسه زعيماً، فذلك لا علاقة له بالإنجازات الممكنة التي يطمح إليها، لأن الزعامة لا تصنع بل تفرضها الظروف والتحولات، وبعض منها يمكن أن يخدم الرئيس الأمريكي الجديد في حلمه، فالعالم اليوم غير مستقر ويشهد تباينات واختلافات وتحالفات غير منطقية في بعض الأحيان، وباعتبار الولايات المتحدة القوة الأولى في هذا العالم، فهي تتفاعل مع كل الذي يجري، وتسعى إلى الحفاظ على مصالحها وموقعها وريادتها في قيادة المجتمع الدولي، ولكن في ظل «زعيم» شديد التقلب ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته، قد لا يتحقق لها ذلك، وقد تجد نفسها في أزمة أعمق من تلك التي أرادت أن تتجاوزها وتتخطاها.
قد يكون من المبكر الحكم على إدارة ترامب الجديدة، ويصعب معرفة المدى الذي يمكن أن تصل إليه في سياساتها الداخلية والخارجية، ولكنها ستنجح في خلط كثير من الأوراق وإثارة أزمات على أنقاض أخرى، كما ستسهم في زيادة الانقسامات العالمية بدل جَسْرِ الخلافات بينها، وهذه الأمور ليست مستغربة، واتخذ مثلها في ولايته الأولى، مثل الانسحاب من «اتفاق باريس» للمناخ. أما منظمة الصحة العالمية، المشهود لها ببذل جهود استثنائية في السنوات الماضية خصوصاً في جائحة كورونا ثم خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن ترامب قرر إعادة الانسحاب منها بذريعة أنها «خدعت الولايات المتحدة»، وهذه الذريعة ستصبح مثل السيف الذي يسلطه الرئيس الجديد على معظم المنظمات الدولية إذا خالفت أوامره. وهذه السياسة ستكون لها تداعيات، وستسرع التوجه القائم بإعادة النظر في النظام الدولي برمته، وتشكيل بديل قد لا تحظى فيه الولايات المتحدة بالزعامة المألوفة.
[email protected]
0 تعليق