في عصر يتسم بالسرعة والتطور المستمر، أصبحت الشكوى من ضيق الوقت وعدم كفايته ظاهرة عالمية، الجميع يرددون العبارة نفسها: «لا أملك الوقت الكافي»، ولكن، هل المشكلة حقاً في الوقت نفسه أم في الطريقة التي نديره بها؟ هل أصبح يومنا أقصر، أم أن إيقاع حياتنا هو الذي تسارع بشكل يفوق قدرتنا على التكيف؟ الوقت، في جوهره، هو المورد الأكثر مساواة، الجميع يملكون نفس الأربع والعشرين ساعة في اليوم، لكن الطريقة التي نستهلك بها هذا المورد تختلف بشكل كبير بين الأفراد والمجتمعات.
في الماضي، كان الإيقاع اليومي للحياة أبطأ وأكثر تنظيماً، كانت الأنشطة تنفذ بترتيب واضح، وكان هناك مجال للتوقف والتأمل، أما اليوم فقد أصبحت الحياة سباقاً مستمراً، حيث يحاول الجميع إنجاز أكبر قدر ممكن في أقل وقت ممكن.
هذا التسارع لم يكن مجرد اختيار، بل نتيجة طبيعية للتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية. التكنولوجيا التي كان يفترض أن تسهل حياتنا أصبحت في بعض الأحيان عبئاً إضافياً، الهواتف الذكية، والبريد الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي، كلها أمور تجعلنا متاحين دائماً وفي كل مكان، بينما قد تبدو هذه الأدوات مفيدة، فإنها تشعل فينا شعوراً دائماً بالاستعجال والالتزام.
إلى جانب التكنولوجيا، يأتي ضغط الإنجاز. في عصر السرعة، يقاس النجاح بمدى إنتاجيتك وقدرتك على تحقيق المزيد، هذا الضغط المستمر يدفعنا إلى الشعور بأن كل لحظة تضيع هي فرصة مهدرة، وأننا بحاجة إلى استغلال كل دقيقة من يومنا لتحقيق أهدافنا، لكن في خضم هذا السباق نفقد أحياناً القدرة على التمييز بين ما هو ضروري وما هو ثانوي.
الحل لا يكمن في محاولة إضافة ساعات إلى اليوم، فهذا مستحيل، بل يكمن في إعادة تقييم أولوياتنا وفهم ما هو مهم حقاً، علينا أن نتعلم كيف نقول «لا» لما لا يخدم أهدافنا وقيمنا، وكيف نخصص وقتاً للراحة والتأمل دون الشعور بالذنب. إن التباطؤ ليس عيباً، بل هو ضرورة في عالم يعج بالضوضاء.
إن إدارة الوقت ليست مجرد مهارة تقنية، بل هي فلسفة حياة، تتطلب منا أن نكون واعين بتصرفاتنا، وأن ندرك أن الوقت هو انعكاس لاختياراتنا وأولوياتنا.
عندما نتمكن من فهم هذه الحقيقة سنجد أن اليوم يكفي، بل ربما يزيد، لكن الأمر يبدأ بشجاعة التغيير وبالقدرة على التوقف للحظة لنقرر كيف نريد أن نعيش وقتنا؟
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق