بدأت رويداً رويداً تتكشف فصول المأساة في غزة مع بدء سريان الهدنة، إذ تم إحصاء الخسائر التي بلغت أرقاماً مهولة، وكأن زلزالاً مدمراً ضرب المكان وأحاله ركاماً، فبحسب الأمم المتحدة فإن 92% من المنازل في القطاع، أي نحو 436 ألف منزل، دُمرت أو تضررت جرّاء الحرب، في حين نزح 90% من الفلسطينيين عن بيوتهم، وثمة أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حالياً إلى مأوى، كما قتلت إسرائيل منذ عملية السابع من أكتوبر ما لا يقل عن 46.913 شخصاً، بينهم 17.581 من الأطفال، ونحو 12.048 من النساء، بجانب إصابة أكثر من 110.750 آخرين، في حين لا يزال نحو 11 ألفاً في عداد المفقودين تحت الركام.
أما البنية التحتية فهي معدومة ولم يعد لها أي وجود، حيث بلغت الأضرار التي لحقت بها بنحو 18.5 مليار دولار، وأثرت في المباني السكنية وأماكن التجارة والصناعة والخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والطاقة، كما أن المتاح الآن من إمدادات المياه أقل من ربع الإمدادات قبل الحرب، في حين تعرّض ما لا يقل عن 68% من شبكة الطرق لأضرار بالغة، كما أن نصف الأراضي الزراعية في غزة، والتي تُعدّ حيوية لإطعام السكان الجوعى في القطاع، تدهورت بسبب الحرب، بينما أشارت الأمم المتحدة إلى أن إزالة أكثر من 50 مليون طن من الركام الذي خلّفه القصف الإسرائيلي قد تستغرق 21 عاماً، وبكُلفة 1.2 مليار دولار، فضلاً عن التلوث الكبير الحاصل.
هذا غيض من فيض، وليس كل شيء، إذ إن غزة التي تمسكت إسرائيل بمواصلة القصف عليها لآخر لحظة، لم يتبقَ منها شيء يذكر، بل إن الحرب المراد استمرارها، والتي تُلوِّح تل أبيب باستئنافها رغم الهدنة، تهدف فقط إلى إيقاع أكبر قدر ممكن من القتلى، وليس ثمة أي هدف عسكري لتحقيقه، إذ فعلت ما تريد فعله.
القادم صعب على غزة، فمن الضروري بدايةً أن يتم لجم جماح إسرائيل، ومنعها من مواصلة تهديداتها، ووقفها عند هذا الحد، بعدم نقل معاركها أيضاً للضفة الغربية لهدمها كما فعلت بغزة، ثم مساندة أهل غزة بكل السبل والإمكانات، خصوصاً أنها هُدمت جميعها تقريباً، فلا بد من توفير الحد الأدنى للحياة لسكانها، من مأوى وعلاج وغذاء وشراب وإعادة بناء البنى التحتية الأساسية، وهذا يتطلب جهداً جماعياً عربياً وعالمياً، ومؤتمراً جامعاً للعواصم والمنظمات، لوضع خطط إغاثية كبيرة وعاجلة لإعادة الإعمار.
مأساة غزة تحتاج إلى وقت لمعالجتها في حال تضافر الجهود، لكن الأهم هوة عدم تعميقها عبر الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليها، أو باستهدافها بمزيد من النار والدمار.
[email protected]
0 تعليق