ما رأيك في هذا العنوان على الموقع الفرنسي «العلوم والمستقبل»: «الآدميون الأوائل، خرجوا من إفريقيا قبل قرابة مليوني عام، أبكر ممّا تصوّرنا» (1 يناير). خلاصة القصة أن فريقاً من الباحثين في علم الإناسة، الأنثروبولوجيا، في جامعة أركانساس الأمريكية، اكتشفوا في إحدى مناطق رومانيا بقايا عظام، تعدّ بالآلاف، لبقايا أشباه الآدميين، لكن المفاجأة تتمثل في أنهم عثروا على أدلّة تبرهن على أن أولئك الأسلاف استوطنوا تلك المضارب، قبل مئتي ألف سنة ممّا كان العلماء يظنون.
الآن، دع كل ذلك جانباً، فقد رأى القلم أن الجداول التي يمكن تفريعها من نهر هذا الموضوع، هي أهمّ
من النهر ذاته. أمامنا محوران في الأقل. الأوّل أن الدماغ البشري ليس بهذه الحيوية الحياتية التي نتوهمها. لقد قضى مليوني سنة، أو ربما أكثر، لكي «يرتقي» إلى القدرة على الإبادة والتدمير والقتل، من دون مبرّر منطقي. لو كانت الضحية واحدةً، لقيل إن الفاعل حيوان يفعل ذلك بدافع تبرّره البيولوجيا، لكونه لاحماً، وليس من طبيعة غريزته الاستمتاع بالحنطة والفاصوليا والآفوكادو والموز والعنب.
هل يُعقل أن يُجنّ المرء إلى حدّ الاستدلال بأنه كان على الشعوب المستضعفة، أن تدفع فاتورة ملايين القتلى وعشرات ملايين المصابين، ثمناً لروائع الموسيقى السيمفونية التي ألفها الغرب؟ هل الحضارة قانون ابتزاز، حتى يدفع الضعفاء الإتاوة بالكرباج؟ أعطيك سيمفونيةً مقابل سيادتك وموادّك الأوليّة؟ الرواية والمسرح والفنون التشكيلية مقابل: لا رياضيات، لا فيزياء، لا كيمياء، لا أحياء، لا تقانة، لا تطوير تعليم ولا مراكز بحث علمي. حتى تلك الآداب والفنون، هي لفئة أضأل من ضئيلة. ما أهمّية أن تنهش السباع وتمزّق المخلوقات باسم الحضارة؟ هل تحتاج هذه المهاوي إلى لقب الحضارة، وبعد مليوني عام؟
المحور الآخر: أعجوبة الذكاء الاصطناعي. تأمّل التراجيكوميديا البشرية، لم يمرّ على مولد الإنسان الآلي حتى ثلاثة عقود، فإذا هو منافس مبين، للآدمي الذي ظن أن لن يقدر عليه أحد. هل يوجد ابن أنثى على سطح الكوكب، يدّعي معرفة واحد من المليون، ممّا في «جوجل» أو أيّ محرّك بحث آخر؟ الذكاء غير البيولوجي أدخل الدماغ البشري في دوّامات عاتية، خوض غمار المعادلات الصعبة في الرياضيات والفيزياء، التطلع إلى آفاق الوعي، مقاربة شفافيات العواطف، تخوم الإبداع في الفنون... كل ذلك في أقل من ثلاثة عقود؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الإعلامية: الإعلام ظريف، فمن المقالات ما يقلع بك إلى ما هو أبعد من الموضوع نفسه.
[email protected]
0 تعليق