د. ناجي صادق شرّاب
ستبقى حرب غزة مستمرة بتداعياتها ونتائجها، فالحرب بأهدافها السياسية، وطالما أهدافها السياسية بالنسبة لإسرائيل لم تتحقق نكون أمام نموذج لحرب دائمة، ولعل من أبرز هذه التداعيات فلسطينياً إشكاليات العلاقة بين المقاومة السلمية المدنية والشرعية الدولية والمقاومة المسلحة، وتعكس هذه الإشكالية حالة الانقسام السياسي بين تيارين رئيسيين هما السلطة (فتح) وحماس. ومن تداعيات هذه الحرب الأطول في تاريخ المنطقة أن القوة العسكرية لم تحقق أهدافها، إذ فشلت إسرائيل وهي الأقوى عسكرياً في تحقيق أهداف الحرب المعلنة والتي من أبرزها القضاء على حماس والمقاومة، وهو ما يعني أن للمقاومة المسلحة نتائجها من هذه الحرب.
والعلاقة بين المقاومة السلمية والمقاومة العسكرية تنبع من ماهية القضية الفلسطينية وأبعادها ومحدداتها ومقارباتها الكثيرة، ومن الفشل الدولي في إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، وحق الشعوب في مقاومة القوة المحتلة وهو ما تكفله القوانين الدولية، فمن حق أي شعب يقع تحت الاحتلال أن يقاومه سلمياً وعسكرياً وفقاً لشروط ومحددات معينة تحقق الأهداف منها.
ولا يمكن الحديث عن إشكالية العلاقة من منظور الدمار الشامل وعدد الشهداء، فهذا أمر طبيعي بالنسبة لدولة قوة متفوقة تمارسها إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن عدوانية إسرائيل وتجاوز كل حدود القوة العسكرية، وإجهاضها لقوة الشرعية الدولية، وقد تنعكس سلباً على التفاعلات السياسية الداخلية، ومن ناحية تزيد الإحساس بأخطار الحرب إقليمياً ودولياً ما يدفع لمزيد من التحركات الإقليمية والدولية لوضع حد للاحتلال وإنهاء الحرب وقيام الدولة الفلسطينية، وهذه التحركات نلمسها اليوم بعد الحرب. وأيضاً فإن هذه المقاومة المسلحة أعادت للقضية الفلسطينية حضورها وهيبتها ومكانتها الدولية باعتبارها قضية احتلال من جهة وقضية قوة من جانب إسرائيل. بعبارة أخرى إن المقاومة المسلحة تعيد للقضية حضورها السياسي.
والسؤال الذي يطرح هنا أي مقاومة مسلحة، هل المقاومة بالسلاح في مواجهة الاحتلال والقمع ومحاولة الإلغاء، وتجاوز الحقوق وانتهاك القانون الدولي، والقرارات الدولية. وبالمقابل هناك من يرى أن طبيعة القضية الفلسطينية وخصوصاً الجانب الخاص بشرعيتها الدولية ومسؤولية الأمم المتحدة تفرض مثل هذه المقاومة، وفي جانب آخر مهم هو الجانب القانوني كما رأينا في قرار المحكمة الجنائية الدولية وخصوصاً ما يتعلق باعتقال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت الذي يكشف أهمية المقاومة في جانبها السلمي ومقاربتها الدولية.
المقاومة السلمية قد تكون نتائجها وتداعياتها أخطر بكثير على إسرائيل لأنها تقدم صورة لشعب يقاوم بالحق وبالطرق السلمية في مقابل دولة دولة وجيش مسلح بأحدث الأسلحة تطوراً وتدميراً، وهنا تكون المعادلة غير متكافئة. لذلك لايمكن الفصل بين المقاومتين بشكل مطلق، فلا شك الحرب على غزة وحجم ما ألحقته إسرائيل في حرب الإبادة من ضحايا ودمار استفزت العالم الذي خرج بمظاهرات في الشوارع والجامعات في معظم المدن فضح حقيقة إسرائيل كدولة عدوان وعنصرية وخارجة على القانون الدولي والإنساني، لكن في الوقت ذاته هناك من انتقد وهاجم المقاومة، وهي جماعات في غالبيتها مؤيدة لإسرائيل
ونعود إلى إشكالية العلاقة ثانية بين المقاومة السلمية والمقاومة المسلحة. فلو نظرنا للحرب على غزة وماذا حققت غير عمليات تبادل أسرى، وهو أمر كان يمكن أن يتحقق من دون الحرب، فما حققته إسرائيل هو تدمير هائل للبنية التحتية والمباني والشوارع والمؤسسات الطبية والتعليمية، ومئات ألوف الضحايا والجرحى، لكن التفسير لا يؤخذ بوضع النتيجة في لحظة حدوثها، فالمقاومة المسلحة وحتى السلمية في حالة القضية الفلسطينية تحتاج وقتاً واستمرارية وتكافل ومشاركة العديد من الفواعل الإقليمية والدولية.
ويبقى الجانب المهم في إشكالية العلاقة فلسطينياً ويتمثل بحالة الانقسام السياسي بين حماس والسلطة، والحاجة لرؤية وطنية ومرجعية سياسية واحدة. فلا شك أن وجود السلطة بمؤسساتها وعلاقاتها الخارجية تفرض أهمية التوافق والاتفاق على ماهية المقاومة المطلوبة والتي تحافظ على ما أنجز ولا تعمل على هدم ما أنجز، وهذا يتطلب تفعيل الشرعية الفلسطينية، وتوحيد الإقليم الفلسطيني ولا ينظر إلى غزة كأنها جزء منفصل. فالمقاومة بقوة شرعيتها ووحدة شعبها وبالإطار المجتمعي والاقتصادي الذي توفره الحالة الفلسطينية. ويبقى أن المقاومة لها صورها العديدة، ذلك أن صمود الشعب والتمسك بأرضه هو مقاومة، ووجود سلطة وطنية فلسطينية هي مقاومة، وشرعية وجود المؤسسات أيضاً مقاومة، وهذه كلها مجتمعة في حاجة لدعم وإسناد إقليمي ودولي وشعبي لجعل الاحتلال يدفع ثمناً سياسياً وهو إجباره على القبول بالدولة الفلسطينية والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقوقه المشروعة.
[email protected]
0 تعليق