ما رأيك في المقولة الشهيرة: «إن الأسواق تصحّح نفسها بنفسها»؟ الناس فيها مختلفون. لكن، ماذا لو قيل لك إن البلدان أيضاً يمكن أن تصحّح نفسها بنفسها؟ ستقول: ما لنا من بعد هذا من مرام، بل إن هذا الأمر في الإسلام أمرٌ ولو كان غير مباشر: «لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد 11). أي اكسروا الحلقة المفرغة التي تدور فيها التنميات المتعثرة، ثم توكلوا.
أحياناً تُستحسن مقاربة الموضوع من بعيد، مثلما تأخذ مسافةً من اللوحة التشكيلية، في سبيل رؤية أفضل. سننتقي مشهدين مختلفين من فرنسا، وليس هذا وقوعاً في المثل الإيراني: «دجاجة الجار إوزّة»، ولكن لنتأمّل كيف يحدث التصحيح الذاتي. المشهد الأوّل ثقافيّ، وعلى المثقفين العرب أن يدركوا مدى مسؤوليتهم إزاء أوطانهم والأمّة العربية.
في العقدين الأخيرين، سعى مثقفون، باسم الفكر، إلى استنساخ النموذج الأمريكي، أي أن يحلّ خبراء الجغرافيا السياسية محلّ المفكرين. لقد رأينا كيف اكتسح الساحة برنار هنري ليفي، والأدوار التي لعبها في يوغسلافيا، أفغانستان، العراق، سوريا، ليبيا... كان ذلك ثقيلاً على التقاليد الثقافية الفرنسية.
رأى مثقفو فرنسا في اللعبة عملية اختطاف لمنظومة القيم التي سارت على نهجها ومنهاجها الأوساط الثقافية الفرنسية، منذ ديكارت، فولتير إلى ما بعد سارتر. يحتاج الأمر إلى باحثين استقصائيين، للوقوف على كيفية حدوث تصحيح المسار. لتهدئة الحيرة أمام ما جرى، يمكن استنتاج أن جهاز المناعة الثقافية في فرنسا، رفض الجسم الثقافي الدخيل الذي حاول البعض زرعه، فبرز الفيلسوف ميشيل أونفري، وأصدر مجلة «الجبهة الشعبية»، ومركز محاورها: استعادة السيادة الفرنسية.
المشهد التصحيحي الآخر في فرنسا، يمكن تلخيصه بعبارة: فرنسا تبحث عن ديجول. كيف حدث صعود نجم دومينيك دو فيلبان، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق؟ ولد في الرباط بالمغرب، شاعر ومثقف ديجولي له مواقف جيّدة إزاء العالم العربي، كاحتلال العراق ومأساة غزة. ما كانت المسألة تستحق الذكر أو تلفت الانتباه، لو انحصرت في طموح دو فيلبان إلى قصر الإليزيه، وأن ماكرون لن تكون له دورة رئاسية ثالثة. ما يجب أن يلفت انتباه العالم العربي، هو أن مجموعة من التوجهات السياسية المختلفة، وفئات شتى من المفكرين والمثقفين، تنظر بتركيز خاص إلى الرياح المتصاعدة من الإمبراطورية في السنوات الأربع التي انطلقت خيولها للتو.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجوهرية: على المثقفين العرب أن يضعوا نصب العين، أن الثقافة والسياسة في المشهدين غايتهما الحفاظ على السيادة.
[email protected]
0 تعليق