الجبهات الداخلية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

لا شك أن التطورات التي تشهدها المنطقة لم تبلغ نهايتها بعد، وليس بوسع أحد الآن أن يجزم بطبيعة المرحلة المقبلة، وما تؤول إليه التفاعلات الجارية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أي بداية الحرب في غزة.
هناك ملامح عميقة تبدلت في أكثر من بلد في المنطقة، وتغيرت معادلات حكمت المواجهات فيها لسنين، وتلاشت محاور وقويت أخرى، غير أن ذلك كله ليس نهاية المطاف، خاصة أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تبح بكل ما تنويه بشأن المنطقة وموازين المنطقة فيها، ولا يزال بعضه في مرحلة الاختبار لإرادات بعض دول المنطقة، ورغبات إسرائيل.
الجانب الإسرائيلي أكد حتى قبل التيقن من نتائج مواجهته مع «حماس» و«حزب الله» واستفادته مما جرى في سوريا، أنه ماضٍ في خطة منهجية لتغيير وجه الشرق الأوسط.
كان ذلك أيضاً قبل مجيء الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي يتصدى الآن نيابة عن الإسرائيليين لفرض الأفكار التي تستكمل تغيير وجه المنطقة مفضلاً معظم الوقت سلاح الترهيب، كما يفعل مع دول وأقاليم أخرى في العالم لا يكف عن تهديدها والمضي في تبديل ملامحها وأسمائها.
في ما يخص منطقتنا، تبدو مواجهة بعض الدول مع الإدارة الأمريكية حتمية، ولعل الملف الأكثر جلاء الآن في هذا السياق ما يتصل بغزة ومصير الفلسطينيين فيها. وأياً ما كانت نهاية هذه المواجهة، فإنها لن تكون الأخيرة، وحتى الاعتصام بالحكمة والهدوء والرغبة في علاقات طبيعية هادئة بين دول المنطقة وبين أي منها والولايات المتحدة لن يكون كافياً لوقف ضغوطها أو سعيها لفرض سيناريوهات بعينها.
وبغض النظر عن تفاصيل ما يبدو أنه صدام مبكر بين دول عربية والولايات المتحدة بشأن ما بعد الحرب في غزة، إذا لم تتجدد المعارك لأي سبب وتتبدد فرص التهدئة، فإن الأمر يفرض إيلاء صاحب القرار العربي، سواء على مستوى كل دولة أو في إطار العمل المشترك، مزيداً من الاهتمام الجاد بقيمة رأي الشارع.
صحيح أن ملابسات التغيير التي عرفتها المنطقة منذ 2011 خلقت حساسية في بعض الدول من مفهوم رأي الشارع، وتوجساً من محاولات التعبير عن الرأي، لكن ليس من المجدي الاستمرار في سد المنافذ كلها وغلق كل أبواب الريح لنستريح من الفرز والتمييز بين الأصوات الوطنية وتلك التي تتلاعب بها تيارات وجماعات.
إن التجارب التي خضناها منذ 2011 كافية للعودة إلى الوثوق في رأي الشارع، سواء عبّر عنه أفرد أو تجمعات تمثله بشكل قانوني، فهو جبهة داخلية لا يمكن تحييدها في ظل المواجهة مع تفاصيل التغيير المراد الآن فرضه على المنطقة.
هذه الجبهة لا يمكن لبعض دولنا، بعيداً عن تلك الغارقة في أزماتها، مواصلة تحييدها أو اعتبارها مصدر إزعاج، وما ننتظره من تحديات يستلزم التعويل الحقيقي على جبهاتنا الداخلية، وليس استدعاءها بالقطعة.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق