قبل أيام قال صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في احتفالية مئوية مكتبات الشارقة: «لقد شغلتنا الدنيا عن الإيمان والمكتبة»، وكانت النبرة فيها غُصّة، كيف أن الكتب وأهلها صاروا في حياة الكثير طيَّ النسيان إن لم يكونوا مظاهر فقط، هذا إن وجدت المكتبة أصلاً في البيوت والمؤسسات.
إن الإيمان الذي في القلب، وانتعاشه وانبلاج نوره، أصل تطور ذات الإنسان ونور عقله وروحه، في كل ما يختبره، عبر صلته بالله، وحياته، وإيمانه وارتباطه بالقرآن والكتب التي تأخذه أزماناً وعصوراً لأيام وتاريخ لم يختبره لكنه كتب ليعلمه.
منذ الطفولة كان لديَّ حُلم، أن تكون عندي مكتبة مثلما أرى في الأفلام والمسلسلات، لون وعبق واتصال جميل وأصالة تنبثق من لون الخشب والقدم، فاكتفيت بزوايا في كل مرة فيها كتب، حتى قررت حين سنحت لي الفرصة والمكان قبل عامين بأن أرسم هذا الحلم وأحوّله إلى حقيقة، في شكله ولونه ومكانه، وإن كان المكان متواضعاً في حجمه، فإن طاقة المكان تكفي، الاحتفاء بكل الكتب التي انتقيتها بنفسي وكانت موجودة في بيتنا يوماً، فقررت أن أضمّها إلى حياتي وقبلها روحها، حتى أقرأها، هي في حد ذاتها فكرة تسيطر عليّ وتجعلني أُوقن في قلبي بإيمان شديد بأن في الحياة جمالاً مُخَبّأً لا يعرفه إلا أصحاب الكتب والعزلة.
يؤسفنا أحياناً، ألّا يتنبّه من يؤسس أسرة إلى أن وجود الكتاب مهم، وأن زاوية وإن كانت صغيرة أمام أعين الأطفال ستربّيهم وتعلمهم أن النور والمتعة الحقيقية في حروف وكلمات ينبع منها الإرث والثقافة والفكر الذي يأخذ الإنسان لأبعاد عميقة، ويخرجه من ضيق إلى فرج ومن حاجة إلى غنى، ومن صورة نمطية للحياة إلى أصلها، من مجرد أن نكون عبوراً في هذه الدنيا لأن نحتفي بها ونكون جزءاً من ترك البصمة، والتأصل بالجذور وارتباطنا بما أراده الله لنا في هذه الدنيا حين نزل الوحي الأول «اقرأ».. على خير الخلق محمد، صلى الله عليه وسلم، فإن كانت الرسالة نورانية سماوية من خالق عظيم لا يعجزه شيء، فكيف تكون في الأرض من دون أن تحدث فرقاً.
قبل أيام في احتفال دولة الإمارات بإنجازاتها في السنوات العشر الماضية، وبداية سلسلة الأعوام الجميلة التي بدأت عام 2015، تذكرنا جميعاً أن عام 2016 كان عام القراءة، ومن أكثر الأعوام التي احتُفي فيها بالكتب وبنا كّتّاباً ومفكرين، وكرّمت الحكومة القراءة بأن أطلقت القانون الوطني للقراءة، وسؤالي: أين نحن من هذا القانون؟ وأين المؤسسات من تبنّيه في قلوب موظفيها وعقولهم اليوم؟
مرور 9 أعوام لا يعني أنه غير موجود، بل لربما نحتاج إلى أن نعيد له نوره وفاعليته، فما زلنا نقول: أصل التفوق والتفرّد إنسان مثقف.
[email protected]
0 تعليق