د. صلاح الغول*
في 29 يناير / كانون الثاني المنصرم، تم تسمية أحمد الشرع رئيساً لمرحلة انتقالية في سوريا. وتعهد في أول خطابٍ له، بالحفاظ على «السلم الأهلي»، والشروع في عملية انتقال سياسي، تتضمن عقد مؤتمرٍ وطني يُفضي إلى «إعلان دستوري» بعد تعليق الدستور القديم، وتتشكل على أساسه، حكومة انتقالية شاملة تضم ممثلين عن جميع الفصائل الرئيسية. وفي أفقٍ زمني يراوح بين أربع وخمس سنوات، سوف يتم وضع دستورٍ جديد، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. وفي مقابلته مع التلفزيون السوري، أكّد الشرع أنّ المرحلة الانتقالية سوف تسير وفق الأعراف الدولية، وستقود «في نهاية المطاف إلى رئاسة منتخبة وسلطة منتخبة».
إضافة إلى ذلك، تعهد بـ«ملاحقة المجرمين الذين ولغوا في الدم السوري وارتكبوا بحقنا المذابح والجرائم»، سواء كانوا في سوريا أو في الخارج، على أسس «عدالة انتقالية حقيقية». وأكّد «إعادة بناء الجيش» وإنشاء قوات أمنية على أسس وطنية، بعد موافقة جُل الفصائل المسلحة على الانضمام كأفراد إلى الجيش السوري الجديد، واحتكار أدوات القهر من جانب الدولة.
ومهما يكن من شيء، فإنّ السلطة قد نُقلت من الفصائل المسلحة التي سوف يتم حلها، بما في ذلك «هيئة تحرير الشام»، إلى عملية سياسية يقودها الشرع. وقد بدأ الرئيس السوري الانتقالي نشاطه الخارجي بزيارة السعودية، في 2 فبراير الجاري، وهي أول زيارة خارجية له منذ الإطاحة بنظام الأسد. وقد دفعت هذه الزيارة، وتأكيد المسؤولين السعوديين على استمرار دعمهم الاقتصادي والسياسي لسوريا الجديدة، إلى موجةٍ من التفاؤل بين المراقبين بشأن توجهات الرئيس الانتقالي السوري الداخلية والخارجية، وفرص ترجمة تعهداته واقعياً.
ويمكن القول: إنه على الرغم من التحديات، هناك فرص كبيرة لترجمة تعهدات الشرع واقعاً يمشي على الأرض. ويمكن للدعم الدولي، في صورة مساعدات واستثمارات وجهود دبلوماسية، أن يلعب دوراً حاسماً في العملية السياسية وجهود إعادة الإعمار في سوريا. ويمكن أن يساعد الاستفادة من خبرات المنظمات الدولية ومواردها على تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وإرساء الأساس لتنمية طويلة الأجل.
وفي هذا الصدد، يمكن لمنظمات الإغاثة الإنسانية الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية، بينما يمكن لوكالات التنمية الدولية دعم مشروعات البنية التحتية ومبادرات بناء القدرات وبرامج التعافي الاقتصادي. وسيكون التنسيق بين الفاعلين الدوليين ضرورياً لضمان فعالية جهود المساعدات والتنمية ومواءمتها مع احتياجات السكان السوريين. ويمكن أن يساعد إنشاء آليات، مثل النسخة الموسعة من صندوق سوريا الائتماني للتعافي المبكر، لتنسيق المانحين والتخطيط المشترك والمراقبة على تجنب ازدواجية الجهود وضمان استخدام الموارد بكفاءة. ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً مركزياً في تنسيق الدعم الدولي وتسهيل الشراكات بين مختلف أصحاب المصلحة.
والواقع أنّ المجتمع الدولي قد أظهر بوادر إيجابية ترقى إلى إضفاء الشرعية على الإدارة السورية الجديدة وإرسال المساعدة الإنسانية على الفور. وفي هذا الصدد، أعلن الاتحاد الأوروبي خريطة طريق لرفع العقوبات عن سوريا بالكامل؛ ما يشكل تطوراً إيجابياً من جانب أصحاب المصلحة الرئيسيين لإظهار شعور أو موقف أهمية أمن سوريا واستقرارها بالنسبة لهم. وهذا النهج ضروري، وينبغي أن يستمر في دعم الانتقال السياسي.
كما تتمتع سوريا بإمكانات اقتصادية واجتماعية يمكن أنْ تُسهم في نجاح خطة إعادة الإعمار التي ستوفر انتقالاً سياسياً سلساً؛ حيث تتمتع سوريا بإمكانات اقتصادية كبيرة، ولا سيما مواردها الطبيعية والزراعية. ويمكن أن يؤدي تنشيط هذه القطاعات إلى خلق فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. ومن شأن تشجيع الاستثمار في القطاعات الرئيسية، مثل الطاقة والزراعة والبنية التحتية، أن يساعد على إعادة بناء الاقتصاد وتحسين مستويات معيشة السكان.
إضافة إلى ذلك، يوفر موقع البلاد الاستراتيجي ومواردها الطبيعية والقوى العاملة الماهرة أساساً قوياً للانتعاش الاقتصادي. ويمكن لاستثمارات قطاع الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والطاقة المتجددة، أن تولد إيرادات وتخلق فرص العمل. وبالمثل، يمكن لتنشيط القطاع الزراعي أن يعزز الأمن الغذائي، ويدعم سبل العيش الريفية، ويعزز التنمية المستدامة.
ويعد الاستثمار في المبادرات الاجتماعية أمراً ضرورياً لتلبية الاحتياجات طويلة الأجل للسكان، ويمكن أن تساعد برامج التعليم والرعاية الصحية وتمكين المجتمع على إعادة بناء التماسك الاجتماعي وتعزيز الشعور بالوحدة. ويمكن أن يؤدي دعم المنظمات الشعبية، وتمكين المجتمعات المحلية إلى خلق مجتمع أكثر شمولاً ومرونة.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتمد مستقبل سوريا على تحقيق الاستقرار السياسي عن طريق الحكم الشامل وتقاسم السلطة ومكافحة الفساد. ويعد إشراك جميع أصحاب المصلحة في إنشاء رؤية مشتركة أمراً بالغ الأهمية. وفي هذا الصدد، يجدر بالجهات الفاعلة الدولية والإقليمية دعم الحوار السياسي والمفاوضات عن طريق الدبلوماسية والوساطة ومحادثات السلام وتدابير بناء الثقة من أجل تأسيس نظام حكم شامل. ويمكن للمنظمات الإقليمية والمجتمع الدولي أن يمنحوا شرعية إضافية لهذه العملية.
والخلاصة أنّ إدارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع تُظهر بعض المؤشرات الإيجابية في قدرتها في الحفـــاظ على الاستقرار وتلبية الاحتياجات المباشرة للسكان، لكنها تواجه تحديات كبيرة في إرساء حكم شرعي شامل. وســيعتمد نجاح هذه الإدارة الجديدة بشكل كبير في مدى قدرتها على إدارة الأوضاع الأمنية المعقدة، ومواجهــــــة التدخـــلات الخارجية، والمســــــاعدة على تحقيق مصالحـــة حقيقية، وبنـــاء مؤسســـات شــاملة تكسب ثقــــة جميـــع مكوّنات المجتمع السوري.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية
[email protected]
0 تعليق