الأب الغريب في بيته - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الأب... ذلك الرجل الذي يقف في الظل، يسند الجميع لكنه نادراً ما يجد من يسنده، هو الذي يخرج في الصباح الباكر، يحمل هموم الحياة، يواجه الصعوبات، ويعود متأخراً، متعباً، لكنه يخفي إرهاقه خلف ابتسامة صامتة في بيته، يرى أبناءه منشغلين بحياتهم، وزوجته غارقة في أعمال المنزل، يراقبهم جميعاً دون أن يكون جزءاً منهم، وكأن وجوده أصبح أمراً مفروغاً منه، كأنّ الجميع تعودوا عليه لدرجة أنهم لم يعودوا يلاحظونه.
لطالما كان الأب أول من يحمل عنهم همومهم، أول من يسهر بجانبهم حين يمرضون، وأول من يضحّي ليحققوا أحلامهم، لكنه في المقابل أصبح آخر من يُسأل عن حاله، وآخر من يُمنح اهتماماً، وآخر من يتذكره الجميع عندما تُوزع المشاعر.
كم من أب يشعر بالغربة في بيته؟ كم من أب يُحمّل فوق طاقته لأنه اعتاد أن يعطي دون أن يطلب؟ في كل مرة يدخل بيته، لا أحد ينتبه إلى تعبه، لا أحد يسأله عن يومه، لا أحد يلاحظ الإرهاق المتراكم في عينيه، الجميع يرونه قوياً، لكنه وحده يعرف كم هو متعب، الجميع يظنون أنه لا يحتاج شيئاً، لكنه يتمنى أن يسأله أحدهم ببساطة: «كيف حالك؟»
الإعلام يتحدث عن الأمّ بإسهاب، وهذا حقها، لكن لماذا حين يأتي ذكر الأب يكون الحديث مقتضباً؟ لماذا أصبح مجرد رمز للإنفاق والمسؤوليات، دون أن يكون له مكان في العاطفة والاهتمام؟ في الأعياد، تُقام الاحتفالات للأمهات، في المدارس تُكتب القصائد عنهن، لكن حين يُذكر الأب، يكون الحديث سريعاً وكأنه لا يستحق التقدير ذاته.
الإهمال الذي يعيشه الأب لا يأتي فقط من الأبناء، بل حتى من بعض الزوجات اللواتي كنّ في بداية الزواج يغمرن أزواجهن بالاهتمام، ثم مع مرور السنوات وانشغالهن بالأطفال والبيت، أصبح الزوج مجرد شخص يعيش تحت نفس السقف، لا يُسأل عن احتياجاته، ولا يُمنح الاهتمام الذي كان يوماً ما أمراً بديهياً. لم يعد هناك حديث مشترك، لم يعد هناك حرص على راحته.
الأب ليس مجرد مصدر دخل، هو إنسان له مشاعر، له أحلام، لكنه اعتاد أن يخفيها خلف الصمت، يتحمل قسوة الأيام، يواجه الحياة بكل ما فيها ليحمي أسرته، لكنه في المقابل لا يجد من يحميه من الشعور بالخذلان عندما يدرك أنه آخر من يُفكر فيه الجميع.
لا تجعلوا آباءكم غرباء في بيوتكم، فهم ما زالوا هنا، بينكم، ينتظرون كلمة، لمسة، نظرة تحمل بعضاً من التقدير.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق