تهجير الفلسطينيين بين الوهم والواقع - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. يوسف مكي

لم يحدث سابقاً أن وقف العالم بأسره موقفاً موحداً ومتضامناً في قضية سياسية كما وقف ضد تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي دعت إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مناطق أخرى في العالم. يمكن القول إن الوحيدين الذين تضامنوا معه بالعلن في دعوته تلك، هما رئيس الحكومة الإسرائيلية، اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته، وبالتأكيد صديقه، بن غفير.
في الوطن العربي، كان موقف الرفض شاملاً لتصريحات ترامب، وبالمثل وُوجهت تلك التصريحات برفض وإدانات عالمية، خرجت من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. لكن ذلك لا ينفي وجود أصوات داخل الحزب الجمهوري الأمريكي، الذي يقوده ترامب نفسه، أعلنت تأييدها لتصريحاته. لكن توجهات قيادات الحزب الديمقراطي الأمريكي بدت مناهضة بقوة لموقف ترامب، بلغت حد المطالبة بعزله عن منصبه كرئيس للولايات المتحدة، ومؤكدة أن الحل الوحيد والممكن للقضية الفلسطينية، والمتسق مع القرارات الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، هو قيام دولة فلسطينية مستقلة، فوق الأراضي التي احتلتها إسرائيل، في حرب حزيران/ يونيو 1967.
ترامب ذاته، لا يبدو مدركاً لخطورة تصريحاته، فقد وضعته تلك التصريحات في تناقض خطر بين الدعوة، لنبذ الحروب، وتعهده، أثناء حملته الانتخابية، بأن لا تشمل فترة حكمه للولايات المتحدة شن أي حرب، وأن يعم السلام ربوع العالم. كما وضعته تلك التصريحات في موقع لا يحسد عليه، تجاه الناخبين العرب، الذين التقى بقادتهم في ولاية بنسلفانيا ضمن الترويج لعهده، بأنه يتفهم المطالب العربية تجاه حق الفلسطينيين في الاستقلال وتقرير المصير.
أمام تعهدات ترامب تلك للعالم وللأمريكيين أثناء حملته الانتخابية، وتصريحاته الأخيرة المغايرة لوعوده السابقة، تتداعى الأسئلة، كيف سيحقق ترامب تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، من غير قوة عسكرية. وإذا كان الأمر يتعلق بمنح الحكومة الإسرائيلية ضوءاً أخضر لتحقيق ذلك، فهل بإمكان نتنياهو، الذي جرب لمدة ستة عشر شهراً، منازلة الغزاويين، واستخدم أعتى ما قدمته إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جوزيف بايدن من أسلحة فتاكة، لم يتمكن من خلالها الإسرائيليون من تحقيق أهدافهم، رغم حرب إبادة غير مسبوقة بالقطاع أدت إلى مصرع أكثر من خمسة وأربعين ألفاً، وجرح أكثر من مائة وعشرين ألفاً، جلهم مدنيون، من الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم للمنازل على ساكنيها، وتدمير شامل لمدن القطاع، شمل ما يقدر بسبعين في المئة من المساكن، إضافة إلى تدمير خطوط الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
كان المؤمل أن يعم السلام في المنطقة، بعد وقف إطلاق النار في القطاع ولبنان، وأن يتوج الرئيس ترامب بطلاً للسلام، وربما كان ذلك مدعاة لحصوله على جائزة نوبل للسلام، الجائزة التي حصل عليها من قبل، مناحيم بيغن جزار دير ياسين، بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع مصر. لكنه اختار أن يصطف مع مجرمي الحرب، وأن يكون ضد السلام، ولم يتردد أن يصنف من قبل عضو بارز بالكونغرس الأمريكي، بالتصفية العرقية.
ليس ذلك فحسب، بل إن ترامب وقف ضد المؤسسات الدولية التي أدانت النهج الإسرائيلي، واعتبرت نتنياهو مجرم حرب، كمحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات التي طالبت باعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية. كما يقف ضد قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي -الأشهر بينها قرارا 242 و338- التي نصت على عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة العسكرية، وأيضاً تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي أدان تصريحات ترامب، وحظي بنصيب وافر من الهجوم الإسرائيلي على شخصه، بلغ حد المطالبة بإقالته من منصبه.
وتحضر في سياق دعوة الرئيس ترامب لتهجير الفلسطينيين أسئلة أخرى، من الذي سيقبل بالتعاون معه في تحقيق أوهامه. دول الجوار بأسرها، ممثلة في مصر والأردن والسعودية، أعلنت بصريح العبارة إدانتها ورفضها لمشروع ترامب. وكان الأبرز بين تلك المواقف تصريحات الأمير تركي الفيصل، رئيس مركز البحوث والدراسات الإسلامية، الذي صرح لقناة العربية، وهو مرتدٍ الكوفية الفلسطينية، أن من يبحث عن السلام لا يساند الموقف الذي يتبناه الإرهابي المتشدد نتنياهو ووزير ماليته والجوقة الإرهابية التي تقف معه.
إن ترامب، بموقفه الأخير، حسب رأي الأمير تركي الفيصل، الذي يشاطره فيه كل العرب، يلغي أي فرصة للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، للوصول إلى حل عادل ودائم، للقضية الفلسطينية، حيث لم يعد بعد دعوته لتصفيتها، ما يمكن التفاوض عليه.
إن مقولة «في كل شر خير» تصدق كثيراً على تصريحات الرئيس ترامب، المؤيدة للموقف المتطرف لنتنياهو الذي يدعو إلى طرد الغزاويين من أرضهم، فقد تحقق إجماع عربي وعالمي شامل وغير مسبوق، على نصرة القضية الفلسطينية، ورفض السلوك البربري الإسرائيلي، واتضح للقاصي والداني حقيقة الموقفين الإسرائيلي والأمريكي المناهضين للحقوق الفلسطينية. كما اتضحت عنصرية الكيان الإسرائيلي، كنظام فصل عنصري، يعتمد لغة الغطرسة وجبروت القوة، ويعلن صراحةً عداءه لتطلعات الشعوب في الحرية والانعتاق، وحق تقرير المصير.
خلاصة القول، إن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، قد كشفت بوضوح لا لبس فيه الفرق الكبير بين الوهم والواقع، وأعادت الاعتبار مجدداً للقضية الفلسطينية.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق