فن اللافعل! - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

في عالم تسوده الهمسات المتسارعة، حيث تعدّ كل لحظة دعوة للقيام بشيء ما، أو التفكير في شيء ما، أو التحرك نحو هدف ما، يظهر فن قد يظنه بعضهم مستحيلاً أو غير ضروري: فن اللافعل، وهو حالة من الوقوف التام، ليس فقط في الجسد، بل في الروح، وفي الفكر، وفي مشاعرنا.
اللافعل ليس السكون المادي، بل هو أعمق من ذلك بكثير، إنه التوقف عن المعركة المستمرة مع الزمن، والتخلي عن عبء السعي الدائم خلف الانشغالات التي تغرقنا في دوامة لا تنتهي.
تصور للحظة أنك تجلس في مكان هادئ، تراقب الحياة من بعيد، لا شيء تتوقعه، لا شيء تحاول تغييره، هذا هو اللافعل، في هذه اللحظة، تكون قد اختبرت الحرية الحقيقية، لأنك ببساطة قد تركت كل شيء على طبيعته، واتخذت قراراً بأنك لا تحتاج إلى التحرك لتكون على قيد الحياة، فكيف يمكن للإنسان أن يكون حراً بينما هو محاط بالضغوط التي تدفعه نحو فعل مستمر؟
إن اللافعل لا يعني الجهل بالعالم أو الهروب منه، بل هو اعتراف داخلي بأن بعض الأشياء يجب أن تأتي إلينا، وإن الكثير مما نحاول السيطرة عليه ما هو إلا سراب، تعلّم أن تقبل كل شيء كما هو، بديلاً عن محاولة تغييره أو مقاومته، كيف يمكن لهذا أن يكون فناً؟ هو فن الصبر، وفن التنفس العميق وسط العاصفة.
في ثقافات كثيرة، تعدّ القدرة على التوقف عن التفاعل مع كل ما يحدث حولنا نوعاً من الحكمة، في الشرق، نجد أن «اليوغا» والتأمل يعلمان أن أعمق حالات الوعي تأتي عندما نوقف محاولاتنا للتفاعل مع العالم الخارجي، لتتناغم مع ما هو داخلنا، تعلمنا هذه الممارسات أن أكبر فعل قد نقوم به في حياتنا هو التوقف عن الفعل.
ولكن ما الذي يحدث حين نمارس اللافعل؟ إننا نبدأ في إضاءة ظلالنا الداخلية، في اكتشاف الجوانب التي غفلنا عنها بسبب انشغالنا الدائم، نسمح للذهن بالراحة، ونبني علاقة جديدة مع أنفسنا. ما يجعل اللافعل فناً هو قدرته على جلب السلام الداخلي دون الحاجة إلى مكونات مادية، إنه نوع من السحر الذي يحدث عندما نترك كل شيء ليكون كما هو، ومن خلال ذلك ندرك أن «عدم الفعل» يمكن أن يكون أشد فاعلية من أي فعل آخر.
إذا كنت تسعى للسلام الداخلي، أو لو كنت تشعر بضغوط الحياة اليومية تأخذك في دوامة لا تنتهي، ربما تكون الإجابة هي أن تتوقف لحظة، لا لفعل شيء، بل لأنك قد وجدت متعة في اللاشيء.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق