صدمات أمريكية للعالم القديم - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

تبدد الأمل، الذي كان قائماً، بإصلاح العلاقة بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد اللقاء العاصف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، في سابقة لم يشهدها البيت الأبيض من قبل، وتجندت لتسويقها آلة إعلامية ودبلوماسية فتاكة تحاول ترسيخ نهج أمريكي جديد في التعامل مع الحلفاء قبل الخصوم.
بعد اللقاء الكارثي بين ترامب وزيلينسكي وما تبعه من قرارات وإجراءات صادمة، تجلت لحظة الحقيقة في أوروبا، فقد سجل ذلك اللقاء انقلاباً عنيفاً هز التحالف الغربي، وعزز المخاوف بين صناع السياسات الأوروبية من نوايا الولايات المتحدة، ومن تداعيات بعيدة المدى على استقرار المنظومة الغربية بما يشمل تهديد وحدة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ما دفع القادة الأوروبيين، إلى التفكير على عجل، في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالأمن الجماعي وصياغة استراتيجية للتعامل مع التغيير الأمريكي، فيما تسود قناعات بأن السلوكيات الأمريكية المفاجئة لا تعبر عن مزاج رئيس اسمه ترامب، وإنما تعكس توجهات نخبة جديدة تحاول القطع مع الحقبة الماضية، التي كان الرئيس السابق جو بايدن آخر ممثليها في السلطة الأمريكية، باعتباره ابن الدولة العميقة لأكثر من نصف قرن، بينما ترامب يمثل عنواناً لعصر جديد لا يؤمن بالمسلمات السابقة، ويجاهر بطموحه إلى إعادة بناء الولايات المتحدة داخلياً بإعلان الحرب على ما يسميها «البيروقراطية المتهالكة». أما خارجياً، فلا يبدو الرئيس الأمريكي ملتزماً بالخطوط الحمراء الموروثة، ولا مهتماً كثيراً ببقاء الدور الأمريكي على حاله، ولا يضع أمام عينيه غير تطبيق شعار «أمريكا أولاً»، ولو على حساب أقرب الحلفاء من الأوروبيين على وجه الخصوص.
منذ العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، يتلقى القادة الأوروبيون من البيت الأبيض الصدمة تلو الصدمة، وبدأ الشعور السائد أن ترامب يعاملهم مثل الخصوم لا الحلفاء والشركاء، وتأكد ذلك مع لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، قبل أن تشتد الإثارة في الاجتماع مع زيلينسكي، الذي أثار ذعراً واسع النطاق وقناعة مدوية مفادها أن زعيمة العالم الحر تغيرت، وباتت تحكمها فلسفة براغماتية شديدة التصلب، ما أحدث شرخاً عميقاً وفتح هوة هائلة في الثقة بين دول الغرب السياسي وحلف شمال الأطلسي، وبات تسارع القرارات والإجراءات يهدد بضرب تماسكه على المدى الطويل.
أكبر صدمة تلقاها الأوروبيون من شخصية ترامب نفسه، فهذا الرجل دخل إلى دائرة صنع القرار من خارج السياقات التقليدية، وعاد إلى البيت الأبيض محفوفاً بعدد من الشخصيات النافذة، أبرزهم الملياردير إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم وصاحب المشاريع الضخمة في الإعلام الجديد والذكاء الاصطناعي، وهو لا يخفي طموحه في السيطرة على الفضاء الرقمي، بينما يستأثر ترامب بإعادة هندسة موقع الولايات المتحدة في العالم، وكأنه توزيع أدوار بين رجلين، واحد يحاول امتلاك الفضاء والثاني الهيمنة على الأرض. وعلى أساس هذه المعادلة العجيبة، تتوالى القرارات الغريبة، لتزعزع النظام الدولي وتحمله إلى عهد جديد يبدأ مع الصراع المتصاعد بين الرؤية المستحدثة وأنصار العالم القديم، الذي بدأ يتهاوى من داخله، وليس بفعل القوى التي ظلت تحاربه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق