امنحوهم خبراتكم وتجاربكم - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شيماء المرزوقي

عندما نستمع لأحدهم وهو يتحدث عن الحياة وقسوتها وما تتطلبه من إمكانيات واستعداد لمواجهتها والصبر عليها، لتجاوز محنها وصعابها، قد يعتقد البعض أن في الموضوع مبالغة، أو تخويفاً غير مبرر. والحقيقة أن أكثر من يشعر بالحاجة للاستعداد المعرفي والذهني والنفسي والجسدي للحياة، هم الأمهات والآباء، وكلّ مَن هو مهموم بالركض والسعي خلف لقمة العيش، وهذه الفئات تدرك تماماً معنى الحياة وما تحتاج إليه من استعداد لمواجهة أحداثها، وما تتطلبه من مهارات وطرق لتجاوز عقباتها وصعوباتها.
أما الأبناء والأجيال الحالية والقادمة، فكثير منهم محمي، ويتم تجنيبهم مثل هذه المشاهد المتعبة عن الحياة، أو أنه يتم توجيههم نحو مهمتهم الرئيسية المتعلقة بالدراسة والتحصيل العلمي وعدم التفكير بأية عقبة أو صعوبة أخرى قد تقع وتحدث وتواجه أمهاتهم أو آباءهم، فتجد الأبناء منعزلين تماماً عن أحداث أسرتهم اليومية، فلا يفكرون من أين يحصلون على مختلف وسائل الراحة والاطمئنان في حياتهم، ولا يشغلون أنفسهم حتى بالتفكير من أين وكيف تتوفر لهم المستلزمات التي يحتاجون إليها، وهناك من يتمّ إلحاقهم بمدارس خاصة باهضة الثمن، وتجد الابن أو الابنة لا يعرف حتى كم المبلغ الذي يوفره والداه ويستقطعانه من دخلهما الشهري لدفع رسومه الدراسية المرتفعة. الحقيقة أن ما يفعله الأب والأم، بهذه الحماية، وتجنيب ابنهما أثقال تفكيره بجوانب مادية، قمة الحنان، لكنها ليست طريقة تربوية وتعليمية صحيحة، لأن المفروض أن يعلم الأبناء حجم ما يقدّم لهم، وأيضاً أن يكونوا على معرفة ووضوح بأن أمهاتهم وآباءهم يبذلون كل ما بوسعهم لسعادتهم ونجاحهم، وأنهم محظوظون بأن تقدم لهم هذه الإمكانيات ويفترض عليهم أن يستغلوها أفضل استغلال، وبالتالي الجد والاجتهاد والاستذكار والتفوق.
عزل الأبناء عن الهموم الحياتية اليومية، تحت أي حجة أو مبرر، هو بمثابة الخداع وتركهم يكبرون وينمون في وهم، يحسبون بأن الحياة هكذا هي تسير بسهولة ويسر، من دون عقبات أو ضجيج أو صعوبات.
أولى خطوات التربية الصحيحة هي تلك التي تعطي الابن الصورة الحقيقية عن الحياة وعما تحتاج إليه من صبر وتحمل، وأيضاً ما تحتاج إليه من العلم والمعرفة والمهارة. نعم نحمي أبناءنا ونوجههم ونعلمهم وندعمهم، لكن لا نحمي للدرجة التي تمنعهم من فهم واقعهم الحياتي، ثم نزجّ بهم في أتون هذه الحياة ونطلب منهم النجاح. أشفقوا على أبنائكم وجهزوهم لمواجهة تحديات الحياة، امنحوهم خبراتكم وتجاربكم وادعموهم ووجهوهم، لكن.. لا تعزلوهم وتبالغوا في حمايتهم.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق