ما رأيك في زاوية مختلفة للقطة السوداء في غرفة مظلمة، والقطة أصلاً غير موجودة؟ هذه النظرة مستوحاة من ألعاب المتاهات في قواعد نحونا العربي. لن يطوّح بك القلم طويلاً في المفازات. على طريقة «فلاش باك» في السينما، سيكشف لك مرمى النقد: إن نحونا الذي لم تتغيّر صياغة تراكيبه وتعابيره، طوال أكثر من ثلاثة عشر قرناً، تستطيع وصفه بأنه يعلّم التلاميذ والطلاب، الأمور البسيطة، بالمعمّيات. مساكين.
تحار في كنه الأجيال العربية على مرّ القرون الخالية، فلأمر غامض، كان على الأمّة أن تنجب ثلاثة أرباع نفوسها من نوابغ الرياضيات، والربع الآخر مناطقة وفلاسفة. هل تذكر المناظرة العجيبة التي رواها التوحيدي، دارت بين العالم النحوي أبي سعيد السيرافي، ومتّى بن يونس المنطقي، في الموازنة بين النحو العربي والمنطق اليوناني؟
أمسك برأس الخيط، فإن تلك الرائعة التي أوردها أبو حيّان في كتاب «الإمتاع والمؤانسة»، يكمن فيها مفتاح السرّ: لماذا صار النحو العربي غابة أحاجيّ ومتاهةً من التعقيدات؟ الجواب: عندما قُصقصت أجنحة الفلسفة، وباتت الدروب إليها شائكة، اغتنم النحاة الفرصة قائلين: لمَ لا نجعل للنحو العربي ألعاباً جمبازية جمنازية كالمنطق والفلسفة، بل ونحشوه بالمجهولات حتى يصير لغةً تجريديةً كالرياضيات؟
الآن يتضح لك لماذا أوصى أديب لمّاح وعقل ناقد في قامة الجاحظ، بعدم تعليم الصبيان من النحو، غير ما يحتاجون إليه في حياتهم اليومية؟ وينكشف لك لماذا أعلن ابن مضاء القرطبي، في كتابه «الردّ على النحاة»، ثورته على الألغاز المرموزة في النحو؟ هذه جملة عربية بسيطة، فتأمّل ما يصنع بها الإعراب على طريقة أهل ما قبل ألف عام. بناتنا وأبناؤنا في الإعدادية هم المعذبون في القواعد. الجملة: «ما لك لا تخاف الله؟» يقولون: «ما: اسم استفهام مبنيّ على السكون، في محل رفع، مبتدأ». ماذا لو اكتفينا بالقول: أداة استفهام. هل ستنقرض ديناصورات النحو؟ اسأل مراهقة: كيف يكون البناء على السكون وفي محل رفع؟ يعني كان الأصل أن نقول «مو»؟«لك: اللام حرف جرّ، وكاف المخاطب ضمير متصل مبني على الفتح في محل جرّ. وشبه الجملة «لك» في محل خبر المبتدأ». بعكوكة: الكاف، في محل جرّ يجب نطقها لكِ، ولكونها في محل رفع، يجب أن تلفظ لكُ! أمّا في فعل «تخاف» فيقولون: الفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. المسألة واضحة: على الفاعل أن يظل مستتراً، لأنه لو ظهر لاغتالوه! عصابات النحو: مستتر، مضمر، مقدّر...
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: النحو على هذا النحو يجب صرفه.
[email protected]
0 تعليق