ثرثرة في القضايا المصيرية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عبداللطيف الزبيدي

أليس من ضرورات المرحلة، الحديث عن مستقبل الثقافة العربية، في ضوء أو في ظلام التغييرات التي ستطرأ على الشرق الأوسط؟ الثقافة وحدها تستطيع خوض هذه المعامع والمخمصات، تحديداً التيّارات والمذاهب الأدبية والفنية، من قبيل السوريالية واللاّمعقول. لماذا؟ لأن العاقل، أو من أبقت له التصاريف مثقال ذرة من العقل، لا يمكن أن يدّعي أنه قادر على فكّ ألِف أو ياء من رموز الأوضاع وهو لا يعلم شيئاً عمّا سيكون، لهذا تستوي الدراسات الاستراتيجية وهرطقات المنجمين، البحوث الجيوسياسية وقراءة الفناجين. بدعابة أبي العلاء: «وما العلماء والجهّال إلاّ.. قريبٌ حين تنظر من قريبِ».
لكن الجهل ليس جبلّة ولا وراثيّاً، وإنما فرضته المقادير على من فاتهم أن العلوم والمعارف قوة شديدة القوى، والتنمية الشاملة قوة، وإنتاج العلوم قوة. عندما تكون لديك ترسانات أدمغة في الرياضيات والفيزياء، فإن الشعوب تستطيع أن تضع الرأس على وسادة الأمن والاستقرار. لكن النوم ليس سبات الغفلة: «ينام بإحدى مقلتيْهِ ويتّقي المنايا بأخرى فهو يقظانُ هاجعُ». لا ترتجف لك ركبتان إذا رأيت ترامب يجود بما لا يملك، يهب ما شاء من التراب السيادي العربي من سوريا، من فلسطين، وغداً قضمات أخرى، وقضمة الديناصور والقرش ليست كنقرة العصفور. يحزّ في النفس أن تبيت الشعوب فرائس تحت نيوب السباع. شعوب طالما بحّت أصواتها من ترديد الهتافات والأناشيد. هدير الجماهير كان يُسمع من في القبور.
كان العالم العربي منذ عقود بعيدة خرافيّاً بمعنى الذهنية الميثولوجية. صدق جمال غورسل، فقد دُعي الرئيس التركي الرابع إلى تدشين أوّل سيارة تجميع في تركيا، عند الاحتفال لم يستطيعوا تشغيلها، تأجّل الحفل، واكتشف المهندسون أنهم نسوا تزويدها بالبنزين، فقال غورسل: «بنصف دماغنا الغربي صنعنا السيارة، وبنصفه الشرقي أردنا أن تسيّرها القدرة». العالم العربي أيضاً أراد أن يصنع معجزات نهضويّة بلا علوم ومعارف وبلا حتى محو أمّية. ما يجب إيقاف تداعياته، هو الفارق بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. هل يعقل ألاّ تحرك أمّة ساكناً، والمخططات تراها سيخ شاورما؟ يرثونها وهي على قيد الحياة، ويغزونها ولديها عشرات الملايين ممّن يفترض فيهم أن يكونوا أباةً حُماةً.
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: ما هذه الأوساط الثقافية التي لا توقظها أمّة ولا أوطان ولا شعوب ولا هوية ولا سيادة ولا حاضر ولا مستقبل؟
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق