القانون وتحدّياته - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عبدالله السويجي
لماذا نطبّق القانون؟ هل خوفاً من العقوبات أم تفادياً للمشاكل والعيش بسلام وهدوء؟ أم لأننا نعيش في مجموعات بشرية مختلفة الطباع والنفوس والأهداف، ونحتاج إلى الحماية من الآخر؟ هل القانون سلاح يقوّي الفرد والمجموعة والدولة؟ وهل تطبيق القانون سمة حضارية ومدنية راقية تفصل بين الإنسان والكائنات الأخرى؟ وهل لدى الكائنات الأخرى قوانين؟ ومَن المنوط بتطبيق القانون، الفرد أم الدولة؟ ولماذا يلجأ الإنسان إلى انتهاك القانون؟ هل بسبب التعالي والعنجهية والرعونة أم بسبب إحساسه بالحرية المطلقة؟ ومن يطبق القانون أكثر، الذكر أم الأنثى؟
نطرح أسئلة كثيرة وليس بالضرورة امتلاكنا إجابة عن كل سؤال، وأنا على يقين من استعداد الإنسان للتفكير في الإجابات فور قراءته للسؤال، بل إنه يبدأ بالتفكير في اللحظة التي يسمع فيها أي سؤال. فهل السؤال في حد ذاته ضرورة لمراجعة الذات واكتشاف الفرد موقعه من المجموع؟
ونحن نطرح هذه الأسئلة نستفز الآخر، ليجيب بنفسه، فربما يطبّق القانون بشكل تلقائي لأنه وجد نفسه في مجتمع أو دولة تطبّق القانون وتحترمه، وربما انتهك القانون في حالة ما وراجع نفسه، أو بدأ يفكّر في قوانين أخرى في مجالات محدّدة، انطلاقاً من مبدأ المسؤولية والمشاركة المجتمعية في إشاعة السلام بالمجتمع.
يمكننا القول إن تطبيق القانون يرتبط ارتباطاً وثيقاً بهيبة الدولة، وهيبة الدولة لا ترتبط دائماًَ بقوتها وسلطتها وسطوتها، وإنما بتوفير الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها الإنسان، مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، واستجابتها وقت وقوع الأحداث والأزمات والمشاكل والكوارث، إن كانت مشاكل فردية أو وقوع جرائم، أو كوارث طبيعية أو إنسانية، والدول التي يحجم مواطنوها عن تطبيق القانون هي في الغالب دول لا توفّر كل ما ذكرنا، إضافة إلى تفشّي الفساد في مفاصل الدول ومؤسساتها ومجتمعاتها.
وفي هذه الدول تكثر الرشوة والمحسوبية والجريمة، ويغيب القانون، وكل فرد يمرّ بأزمة يلقي اللوم مباشرة على الدولة: أين هي الدولة؟ وهنا نستعيد السؤال المتعلّق بالجهة التي تطبّق القانون، وأقول مباشرة إنها ليست الدولة فحسب ولكن الفرد/ المواطن، الذي يشعر بالمسؤولية المجتمعية والوطنية، ولكن كيف يمكن إيجاد هذا المواطن؟ ونجيب مباشرة، نجده ونؤهله عن طريق التعليم والتثقيف والتدريب؟ صحيح أن دور هذا الفرد سيكون صعباً في تلك الدول، إلا أنه ضروري ومهم، كي لا يعم الفساد، ويصبح القانون ممسحة الجميع.
نحن نطبّق القانون كي نحمي أنفسنا، ليس من الآخر، ولكن من أنفسنا، لأنه الرادع في معظم الحالات، ونطبّق القانون لكي نحصل على الفرص المتساوية في كافة مجالات الحياة، وكي ينتشر السلام وتعم الطمأنينة بين الناس، ولكي نقوم بعملنا ونحن موقنون بأننا سنحصل على المردود، المادي والمعنوي والوظيفي.
نطبّق القانون كي تأخذ العدالة مجراها فلا يشعر أحد بالظلم، وهذا الشعور هو الذي يزلزل حياة الإنسان ويدفعه إلى اللامبالاة أو إلى الشر أو إيذاء نفسه. نطبّق القانون لنحمي أنفسنا وأملاكنا وأعراضنا ممن تسوّل له نفسه الاعتداء علينا، ولنحمي حقوقنا الخاصة والعامة. وكي نتميّز عن المخلوقات الأخرى وننأى بأنفسنا عن شريعة الغاب، رغم أن كل كائن وفصيلة، أجزم أنها تتمتع بقوانينها الخاصة، التي قد نفهمها وقد لا نفهمها، وإلا، لما عاشت جماعات في قطيع يسوده السلام.
هناك شريحة من البشر تنتهك القانون بشكل دائم، والسبب هو الطمع والإحساس بالتفوّق والعنصرية والفوقية، وأفرادها موجودون في الشرائح الغنية والمتوسّطة والفقيرة، هؤلاء يؤمنون بمبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، يتّبعون الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق أهدافهم، ما يجعلهم على صدام مع الآخرين، وفي عراك لا يهدأ، فالطمع مرض أكثر منه طموح.
وهناك دول تنتهك القانون الدولي، إما لإحساس بأن عرقها هو الأنقى، وإما لطموحات وأطماع، وقد شهد التاريخ حملات استعمارية لدول بعينها كانت تنظر بفوقية للشعوب الأخرى وتبرّر غزوها ونهب خيراتها، وبعض تلك الدول غلّف الحملات الاستعمارية بمبادئ أخلاقية، إذ كانت ترى أن من واجبها تحضير وتمدين وتثقيف الشعوب الأخرى، ولكنها ما إن تطأ أرض تلك الشعوب حتى تكشّر عن أنيابها وتبدأ بنقل الثروات إلى أراضيها.
وهناك دول قوية جداً بترسانتها العسكرية واقتصادها وتعدّ نفسها فوق القانون، وتسمح لنفسها بالتحكم في شعوب أخرى سياسياً واقتصادياً، حتى إنها لا تمتثل لقرارات المحاكم الدولية التي هي عضو فيها، وهذا ناتج عن القوة والطمع واختفاء الرادع. والمفارقة الغريبة أن هذه الدول تطبّق القانون على أراضيها، ما يعني وجود خللٍ أخلاقي في المنظومة القيمية.
ويمكنني أن أزعم هنا أن المشاكل التي تعانيها الدول، داخلياً وخارجياً، تكمن في تطبيق القانون، واحترامه والإيمان به، فلو تم تطبيق القوانين العالمية لساد السلام الكرة الأرضية، ولو تم تطبيق القوانين داخلياً لشعر الإنسان بأنه في الجنّة، فمخرجاته هي العدل والسلام والطمأنينة والمحبة والتعاون والعطاء وفعل الخير، بل إن تطبيق القانون سينعكس على المستوى المعيشي للفرد والدولة، لأنه يضمن للإنسان الكرامة، والكرامة تحرّض على تجميل المعاني الإنسانية.
أعترف بأنني لم أجب عن كافة الأسئلة، لكنني قد أكون قد فتحت نافذة للحوار..
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق