فيما يتابع العالم لحظة بلحظة مجريات معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تدور رحاها بضراوة بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، هناك انتخابات أخرى تجري بالتوازي، لا تقل أهمية عمن سيدخل البيت الأبيض، وهي انتخابات الكونغرس، المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة، وتعد الهيئة التشريعية في النظام السياسي، ويتألف من مجلسين: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ويتشكل مجلس الشيوخ من 100 عضو، ويعتبر «المجلس الأعلى»، ويمثل كلَّ ولاية عضوان، في حين يتألف مجلس النواب من 435 عضواً موزعين على الولايات حسب عدد سكان كل ولاية، ويعتبر «مجلس الشعب».
يخدم كل عضو في مجلس الشيوخ لفترة ست سنوات، فيما يخدم جميع النواب لمدة سنتين. وفي الانتخابات الحالية يصوّت الأمريكيون لانتخاب كل أعضاء مجلس النواب الـ435، وانتخاب 34 عضواً في مجلس الشيوخ. ورغم أن الحدث الأبرز هو السباق إلى البيت الأبيض، فإن انتخابات الكونغرس لا تقل أهمية؛ إذ يحتدم الصراع بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري للسيطرة على الكونغرس باعتباره الهيئة التشريعية التي تسن القوانين.
في الكونغرس الحالي الذي تنتهي ولايته، لا ينفرد أي من الحزبين بالسيطرة المطلقة عليه؛ إذ يسيطر الجمهوريون بأغلبية ضئيلة على مجلس النواب (220 مقابل 212)، فيما يتشارك الديمقراطيون مع المستقلين في قيادة مجلس الشيوخ؛ لذلك فالصراع محتدم بين الحزبين للسيطرة على الكونغرس بمجلسيه، من خلال الحملات الانتخابية المكثفة التي يتم رفدها بالمال المطلوب الذي يأتي معظمه من تبرعات رجال الأعمال والشركات الكبرى واللوبيات، ولهذا مثلاً أقدمت هاريس على تحويل 19 مليون دولار من حملتها الانتخابية إلى لجنة الحملة الديمقراطية لمجلس الشيوخ لتمكين المرشحين الديمقراطيين من الفوز والحفاظ على الأغلبية.
المال السياسي يلعب في انتخابات الرئاسة والكونغرس دوراً مهماً في تحديد الفائز، فقد بلغ حجم الإنفاق الانتخابي العام الحالي قرابة 16 مليار دولار، أي بزيادة مليار دولار عن انتخابات 2020. ودخول ملايين الدولارات في حسابات المرشحين يعنى ارتهان هؤلاء للممولين، من أجل تمرير مشاريع واتخاذ سياسات تخدمهم، ورسم ملامح السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
ومن أبرز الممولين من الشركات واللوبيات، لوبي السلاح الذي أنفق وحده نحو 23 مليون دولار لدعم المرشحين الجمهوريين المؤيدين لحمل السلاح، وغرفة التجارة الأمريكية، ولوبي الأدوية، وشركات التكنولوجيا، ولوبي النفط. ويعدّ اللوبي الإسرائيلي من أكبر المانحين، وخصوصاً لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) التي ينضوي تحت لوائها آلاف الأثرياء الذين يضخون ملايين الدولارات لشراء المرشحين من الحزبين، لخدمة المصالح الإسرائيلية في الكونغرس والإدارة الأمريكية. ووفقاً لصحيفة «الإنترسبت» الأمريكية، فإن اللوبي اليهودي أنفق أكثر من 100 مليون دولار على الانتخابات.
ويستفيد اليهود الأمريكيون الذين يقدر عددهم بنحو 5.8 مليون، أي 2 في المئة من السكان، من سيطرتهم المالية والإعلامية، إضافة إلى أنهم قوة منظمة، حيث يشاركون في الانتخابات بنسبة 92 في المئة، مقابل 54 في المئة من عامة الأمريكيين.
ساعات، وربما أكثر، ويتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، ونعرف من سيدخل إلى البيت الأبيض.. الفيل أم الحمار.. ومن سيسيطر على الكونغرس؟
0 تعليق