هل تبسّمتَ وأنت ترى العالم العربي قد جفّ ريقه في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية؟ مذهلةٌ أنتِ أيتها الإمبراطورية، أيتها الهيمنة العالمية. منذ قامت للعرب قائمة، أو نامت لهم نائمة، أو صالت لهم صولة، أو دالت لهم دولة، لم يحدث أن حظيت انتخابات عربية بواحد من الألف ممّا تحظى به الانتخابات الأمريكية عند العرب. في هذه الألوان من الكوميديا الساذجة غير المحبوكة، لا ينطلي الضحك من الذقون على الشعوب.
دعك من وخزات الأسئلة، من قبيل: ألم يكن العرب يعلمون، منذ مغادرة ترامب البيت الأبيض سنة 2021، أنه صمّم على العودة إلى الرئاسة، ولو على صهوة حرب أهلية؟ لِمَ لم يفكّر قومنا تفكيراً استباقيّاً في العواقب التي لا يُستبعد أن تصدر عن رجل يرى مقدّرات الغير وحتى مقدّساتهم أملاكاً خاصةً مشروعةً لفخامته، يهب منها ما طاب له لمن شاء؟ نقلُ السفارة كان في عينيه شأناً سياديّاً، فلا يجرؤ أحد على الاعتراض. الهدايا الأخرى فسّر أبو العلاء المعرّي موادّها وتبصراتها في مطلع قصيدته الشهيرة: «أرى العنقاء تكبُر أن تُصادا.. فعاند من تطيق له عنادا». مجرّد احتياط وتحسّب لحادثات الليالي، فالشاعر أوصانا بالحذر: «اللياليُّ حبالى.. لستَ تدري ما تلدْ». أمّا الذين استبشروا بقدومه، فقد ابتسم لهم طالع السعد، والذي تفاءلوا به وجدوه، وأمّا من تشاءم وتطيّر، فلن يجديه دفن رأسه في التراب، فراراً من غربان هيتشكوك.
لا داعي إلى تصديع الرأس بتذكّر المثل: «الصيفَ ضيّعتِ اللبن»، وشرحه عند الطغرائي: «أنفقتَ صَفوكَ في أيّامك الأُوَلِ». كفانا الله شرّ تشاؤمه في الشطر الأول من بيته: «يا وارداً سُؤرعيشٍ كلّهُ كدرٌ»، كلا يا أستاذ، فبعبع الكدر الذي يتراءى شبحه لا يشمل العيش كلّه، لا كدّر الله، وإنما ينحصر في كابوس تغيير خريطة الشرق الأوسط، في ظروف عصيبة لا يملك فيها العرب غير الوقوف باكين على أطلال الوحدة العربية، والرسوم الدارسة للدفاع العربي المشترك، والتحسر على مئات الملايين التي طارت بها عنقاء مُغرب في ميزانيات المنظمة العربية الأمّ ومشتقاتها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لو كان الناس يعلمون الغيب لأنفقوا ميزانيات الجامعة في تسع وسبعين سنة، في مشاريع تنموية مجدية، فلا تُقارَن التنمية الزراعية والصناعية وغيرها، بركام القرارات والتوصيات.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللاّريبيّة: يتغيّر كل شيء يوم لا تكترث الأمّة بانتخابات الدول منشدةً: «سقف بيتي حديد.. ركن بيتي حجرْ».
[email protected]
0 تعليق