يونس السيد
بين الصفقات الصغيرة والكبيرة، ثمة عروض أخرى يجري تداولها لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، أشبه بالمناقصات التي تدار حول بضاعة يراد تسويقها لمصلحة من يدفع أكثر، بمعزل عن الأثمان الباهظة التي دفعت في شرائها، أو الأهداف الحقيقية للاحتفاظ بها.
في الأسابيع والأيام الأخيرة، برزت وفي إطار تحريك جهود المفاوضات حول الهدنة وصفقة التبادل، بعد توقف لأكثر من شهرين، ما يمكن تسميتها بظاهرة «الصفقات الصغيرة»، التي بدأت بمقترح لهدنة من يومين مقابل الإفراج عن أربع رهائن وعدد من المعتقلين الفلسطينيين، يليها مفاوضات خلال عشرة أيام بشأن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وسرعان ما تطور هذا المقترح إلى هدنة من أربعة أسابيع (28 يوماً) يتم خلالها إطلاق عدد من الرهائن مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين وزيادة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة. لكن هذه المقترحات بقيت بعيدة كل البعد عن المقترحات الجدية والشاملة وآخرها المقترح الأمريكي الإسرائيلي الأصل في الثاني من يوليو/ تموز الماضي، والذي كاد أن يتحول إلى اتفاق حقيقي لولا انقلاب نتنياهو عليه لأسباب بات يعرفها القاصي والداني.
اليوم يقدم نتنياهو عرضاً مغرياً، إذا وجد من يشتريه، يتضمن دفع عدة ملايين من الدولارات مقابل كل رهينة يتم إطلاق سراحها، ولمزيد من الإغراء فإن نتنياهو مستعد لضمان «مرور آمن خارج غزة للذين يطلقون سراح الرهائن»، وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهو عرض حاول نتنياهو ترويجه في السابق، لكنه لم يجد أذاناً صاغية، وها هو يعيد طرحه مجدداً من منطلق اعتباره منتصراً في الحرب، رغم أن الواقع على الأرض لا يؤكد ذلك. وإلا لماذا لا يعلن نتنياهو هذا الانتصار على الملأ، ولماذا لا يتم الاحتفال بهذا الانتصار، وأغلب الظن أن جيشه في ورطة حقيقية، سواء في غزة أو على جبهة لبنان، وأن هذا الجيش بدأ يغرق في حرب استنزاف طويلة على الجبهتين. وفي كلا الجبهتين يستطيع نتنياهو أن يدعي تحقيق إنجازات تكتيكية، سواء عن طريق الاغتيالات، أو قتل عشرات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، ناهيك عن عمليات التدمير التي برع فيها جيشه في غزة وفي القرى والبلدات والمدن اللبنانية. لكن كل ذلك لا يمنحه حق الادعاء بالانتصار على الجبهتين، لأنه ببساطة لم يستطع تحقيق أهداف الحرب في كليهما.
وبالعودة إلى مفاوضات «هدنة غزة» والجهود التي بذلت في سبيلها على مدار الشهور الماضية، فإن تحويلها إلى ساحة للعروض والمناقصات يؤكد إمعان نتنياهو في لعبة الخداع والتضليل التي يمارسها لإطالة أمد الحرب انطلاقاً من حساباته الشخصية والسياسية. لكن يبدو أن هذه اللعبة لن تستمر طويلاً، بعد الفضيحة المدوية لتسريبات الوثائق السرية التي جرى تزويرها واستخدامها كأدوات في لعبة التضليل الكبرى للوسطاء والحلفاء والمجتمع الدولي والإسرائيليين أنفسهم، من دون أي اعتبار لحياة الرهائن ولا الأثمان التي لا يزال جيشه يتكبدها في ساحات القتال.
[email protected]
0 تعليق