عهد جديد في العلاقات الإماراتية -التركية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. صلاح الغول
شهدت العلاقات الإماراتية-التركية منذ نهاية عام 2021 نقلة نوعية تزامنت مع زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لتركيا. ومنذئذ، تم عقد أربعة لقاءات قمة بين قيادتي الدولتين، إضافة إلى عدد كبير من الزيارات المتبادلة بين مسؤوليهما.
وقد تم مأسسة العلاقات بين الدولتين عن طريق عشرات الاتفاقيات الاستراتيجية ومذكرات التفاهم، شملت المجالات الاقتصادية، والطاقوية، والأمنية، والبيئية، والتكنولوجية، وغيرها، إضافة إلى إنشاء «لجنة استراتيجية عليا» بين البلدين. وتحتل تركيا مكانة مهمة في استراتيجية الإمارات لتنويع الشركاء.
وتستند العلاقات بين الدولتين إلى تراث تاريخي وثقافي وديني مشترك، وتم توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون في المجال الثقافي بينهما عام 2022. وقد كانت تركيا ضيف شرف معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2023، وشاركت «جمعية الناشرين الإماراتيين» في معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي الشهر المنصرم.
ومن المنظور الاستراتيجي، تتفق الدولتان في توجهاتهما الخارجية نحو الغرب والشرق، وفي رغبتهما في إرساء عالم متعدد الأقطاب. وتُعطي الدولتان الأولوية للتنمية الاقتصادية، وتصفير المشكلات، وتنويع الشراكات، والاستقرار الإقليمي.
وبعد انتخاب دونالد ترامب، وتوقع تقليل الانخراط الأمريكي الطويل المدى في الشرق الأوسط، تدخل العلاقات بين دولة الإمارات وتركيا عهداً جديداً من التعاون في بناء نظام إقليمي جديد.
وقد تم تعزيز التعاون الدفاعي والأمني بين الدولتين مؤخراً، فقد تم توقيع عقود لتوريد المُسيّرة التركية «بيرقدار آفنجي» وأسلحة أخرى لدولة الإمارات. وشاركت شركات الدفاع الإماراتية في معرض «ساها إكسبو» التركي في أكتوبر الفائت، وتم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات مع نظيراتها التركية. وانخرطت قوات الدولتين في تدريبات جوية مشتركة مؤخراً. وعلى هامش المعرض الدولي للصناعات الدفاعية بإسطنبول (يوليو 2023)، تم توقيع اتفاقية جديدة للتعاون الدفاعي بين تركيا ودولة الإمارات، وبالتحديد بين مجموعة الدفاع والطيران بمركز الشرق الأوسط للصناعة والتجارة التركي، وشركة «بلاك كوبرا» للتجهيزات العسكرية في أبوظبي، بهدف إنشاء خريطة طريق لأنشطة تطوير الأعمال المشتركة مع الشركات التركية الصغيرة والمتوسطة، ونقل التكنولوجيا وإقامة شراكات استراتيجية بين الطرفين.
ويتنامى التعاون بين الشركات الدفاعية الإماراتية، وعلى رأسها «إيدج» وكاليدس ايروسبيس، ونظيراتها التركية، في مجال التدريب، وتطوير وتوريد الأسلحة والذخائر، والإنتاج المشترك، ونقل التكنولوجيا، ودخول الأسواق في الشرق الأوسط وإفريقيا. بل إنّ «إيدج» أنشأت مكتباً جديداً لها «ملاذ»، لتسهيل التعاون مع الشركات التركية. وفي هذا الخصوص، وقّع مكتب «ملاذ» مذكرة تفاهم مع شركة «إيرا آر إف تكنولوجيز» التركية، للتعاون في مجال تطوير أنظمة الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية والمحطات الأرضية. كما وقّعت «كاليدس» اتفاقية مع شركتي «أسيلسان» و«هافلسان» التركيتين للتعاون في الإنتاج المشترك والابتكار التكنولوجي وتحديث الطائرات ذات الأجنحة المروحية والثابتة.
على أنّ الشراكة الاقتصادية بين دولة الإمارات وتركيا هي أهم ما يُميز العلاقات بينهما. فقد تجاوز حجم التجارة الثنائية (غير النفطية) بين البلدين نحو 20 مليار دولار في عام 2023، بزيادة قدرها 107% مقارنة بعام 2022. وتعتبر دولة الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي وثاني أكبر شريك عربي لتركيا، والمحور الاستراتيجي للتجارة التركية مع دول الخليج وآسيا. كما تأتي تركيا بين أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات.
وقد تم مأسسة العلاقات الاقتصادية بين الدولتين بتوقيع عدد من الاتفاقيات في المجالات الاقتصادية، والتكنولوجية، والصحة، والزراعة والأمن الغذائي، والنقل، والصناعات المتقدمة، والعمل المناخي، وغيرها، وتأسيس صندوق استثمار إماراتي بقيمة 10 مليارات دولار بتركيا للاستثمار في القطاعات اللوجستية ومنها الطاقة، والصحة، والغذاء (2021).
وتوجت مأسسة العلاقات بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات وتركيا في مارس/ آذار 2023، التي دخلت حيز التنفيذ في سبتمبر اللاحق. وتهدف الاتفاقية إلى زيادة قيمة التجارة غير النفطية إلى 40 مليار دولار سنوياً خلال 5 أعوام، وإلغاء الرسوم الجمركية على 82% من السلع المتبادلة، وإيجاد وظائف جديدة تتطلب مهارات عالية ل25 ألف شخص في دولة الإمارات و100 ألف شخص في تركيا.
وتُعد الإمارات بين الدول ال15 الأعلى في مجال الاستثمار المباشر في تركيا، حيث بلغت الاستثمارات 5.6 مليار دولار في الفترة (2002-2023). وهناك نحو 600 شركة إماراتية تعمل في تركيا، معظمها (90%) شركات صغيرة ومتوسطة الحجم. وتركز الاستثمارات الإماراتية على قطاعات الطاقة التقليدية والمتجددة، والتكنولوجيا، والتمويل، والمصارف، وتشغيل الموانئ، والقطاع السياحي، والخدمات، فيما تُركز الاستثمارات التركية على قطاعات الخدمات والدفاع. وتقترب الدولتان من التوصل إلى اتفاق بشأن تشغيل أبوظبي ميناء إزمير على بحر إيجة، الذّي يُعد من أكبر موانئ البلاد من حيث حجم الحاويات وحمولة البضائع.
وعلى المستوى الإقليمي، تنخرط أبوظبي وأنقرة حالياً في تطوير مشروع طريق التنمية في العراق، الذي يهدف لإنشاء طريق تجاري بديل بين الخليج العربي وأوروبا. كما قدمت تركيا طلباً للانضمام لمجموعة البريكس، التي تضم دولة الإمارات، ما يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز التعاون ومواءمة المصالح الاقتصادية بين البلدين.
والخلاصة أنّ العلاقات الإماراتية-التركية ولجت في عهد جديد من تطوير الروابط الاقتصادية والدفاعية، ما سوف ينعكس إيجابياً على المنطقة كلها.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق