زمن ظاهرة الإلقاء الشعري - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كان النصف الثاني من القرن العشرين زمناً نموذجياً لإلقاء الشعر أمام جمهور كبير هو جمهور قصيدة العمود، وقصيدة التفعيلة، شعر الرموز والكبار في تاريخ ديوان العرب، ولم يكن الشعر مقروءاً على المنابر الكبرى في الوطن العربي في النصف الأول من القرن العشرين، فقد كان شعر المجلات العربية مثل: الآداب، والكاتب، وغيرهما من تلك المنابر الكبيرة التي كانت تنشر القصيدة، فتكرس شاعرها في الحال اسماً معترفاً به في الأوساط العربية الثقافية من المغرب إلى العراق.
بعد النصف الثاني من القرن العشرين لم يعد إلقاء الشعر ظاهرة جماهيرية، فقد أخذت مهرجانات الشعر تذبل وتتلاشى تدريجياً، ثم غاب كثير من شعراء الإلقاء إن جازت العبارة في الموت أو في الهامش الصامت لشعراء ذلك الجيل، وكثير من نجوم الشعراء مثل محمد الفيتوري، وأحمد عبد المعطي حجاري ما عادوا يكتبون، جفت القرائح وانتهى الشعر إلى الصمت.
السبعينات والثمانينات والتسعينات.. 3 عقود كانت عقوداً صوتية جماهيرية إلقائية.. ثلاثة عقود كانت، بالفعل، ظاهرة شعرية صوتية.. يتمثل فيها فن الإلقاء عند شعراء كبار: سعيد عقل، الجواهري، درويش، أدونيس، عبد الرزاق عبد الواحد، الفيتوري، أمل دنقل، أحمد دحبور، إبراهيم نصر الله، مظفر النواب، عبد الله البردوني، جوزيف حرب، محمد القيسي، غازي القصيبي، حيدر محمود، ممدوح عدوان، نزار قباني، شوقي بزيع، محمد شمس الدين، حبيب الزيودي، يوسف الصايغ، المنصف الوهايبي، المنصف المزغني.
قرأ هؤلاء في مهرجانات شعر، وفي أمسيات أو مناسبات ثقافية كانت تنظمها مؤسسات عريقة في الأدب والثقافة، وكان لكل شاعر شخصيته الإلقائية التي تنسجم مع طبيعة شعره.
جيلنا من الشعراء ومن الكتّاب والقراء شهد تلك القراءات الإلقائية في عواصم عربية عدة.. في أبوظبي والشارقة، بغداد وبيروت، دمشق والقاهرة، تونس والمغرب.
اليوم، لم تعد ظاهرة الإلقاء موجودة، طوى الغياب كثير من تلك الكوكبة الإلقائية التي جعلت من قراءة الشعر فناً ولحظة إبداعية مكثفة في صوت الشاعر، وحركة جسده، وتلويناته الصوتية والإيقاعية تبعاً للتلوينات اللغوية والأسلوبية الموجودة في النص الشعري.
شهدت، شخصياً، قراءات إلقائية من هذا النموذج الإبداعي التاريخي، وفي أوائل التسعينات قدمت عبد الله البردوني في أمسية شعرية بالشارقة، وقرأت إلى جانب محمود درويش وزهير أبو شايب في مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية عمان صيف 1995.
بعض الشعراء نجم في الإلقاء. هدوء وكاريزما مثل محمود درويش، والبعض بإمكانه أن يقود تظاهرة بعد الإلقاء مثل مظفر النواب، والبعض يقرأ ويكاد يهمس مثل أدونيس، ولم أستطع أن أضع عبد الوهاب البياتي في أي من هذه القصبات، فقد كان (أبوعلي) نادراً جداً ما يقرأ على منبر، وإن قرأ، فهو لا يهمس، ولا يقود تظاهرة.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق