في بداية هذا العام، قال علماء الذرة، إن عقارب «ساعة القيامة»، التي أنشأها علماء بجامعة شيكاغو الأمريكية منذ 77 عاماً، تحركت 90 ثانية باتجاه منتصف الليل، الموعد الرمزي المحدد لنشوب حرب نووية تفني الجنس البشري.
وقد تقترب أكثر في يناير/كانون الثاني المقبل، بعد إعلان قوى نووية رفع استعداداتها لمواجهة، قد تكون أقرب من أي وقت، منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، عندما كان السباق على أشده بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لامتلاك القنابل الهيدروجينية.
الساعة الافتراضية لا تعتبر مواقيتها حتمية، لكن تسارع دقاتها يحمل تحذيرات وإشارات، ليس من الحكمة تجاهل تحذيراتها التي تقيس المخاطر المحتملة، جراء التوترات السائدة في العالم.
وعلى خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا، أعلنت موسكو تغيير عقيدتها النووية، التي تضمنت توصيات وحالات تفرض استخدام أسلحة الدمار الشامل، وتزامن هذا التطور مع ضوء أخضر من واشنطن لكييف، باستخدام صواريخ أمريكية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، وهو ما يعد تجاوزاً لأحد أخطر الخطوط الحمراء المألوفة.
ورغم أن الأوضاع الراهنة، بعد الإعلان عن استخدام مثل هذه الصواريخ، لا توحي بأن الرد النووي الروسي بات حتمياً، وأن المواجهة المدمرة باتت قاب قوسين أو أدنى، فإن مجرد تغيير العقيدة، والإعلان عن النية باستخدام السلاح النووي، يكون العالم قد دخل مرحلة ما قبل الكارثة، وهو ما لم يحدث بمثل هذا الزخم، في ظل احتدام الاستفزازات والرد عليها من أكبر دولتين نوويتين، روسيا والولايات المتحدة، في وقت يخيم فيه الخطر النووي على نقاط الصراع الساخنة الأخرى، خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث المواجهة مفتوحة على كل المساوئ الممكنة، وأيضاً في جنوب شرقي آسيا، حيث تتوالى التهديدات النووية من كوريا الشمالية التي لا ينقصها التهور لخوض مغامرة غير محسوبة العواقب.
متابعة تفاصيل العالم الراهن، تقود إلى الاستنتاج بأن كل آليات التعاون والحوار معطلة ومغيبة، بينما تهيمن لغة الصراعات والحرب والتلويح بالإفناء المتبادل، ويبدو أن هذا النهج سيستمر ويسود في الفترة المقبلة، ولا يوجد حظ كبير لتفاديه، بسبب اشتداد الاحتقان في العلاقات الدولية، والتجاوز على المعاهدات والمواثيق، والتضارب الشديد بين مصالح القوى الكبرى وأجنداتها.
وحتى بعد التغيير في البيت الأبيض، وعودة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، لن يكون هناك أي تغيير جوهري في سياسة ما يُنظر إليه على أنه «مصالح أمريكية»، فهذا التيار العالمي الذي تنخرط فيه واشنطن أقوى من إرادة أي إدارة أو رئيس، لأن المعركة الدائرة استراتيجية ومصيرية، وتتصل بإعادة هندسة العالم، وبناء نظام دولي جديد، وهو ما سيتم، على الأرجح، بالدبلوماسية الساخنة، أو بالصراع الذي قد يتجاوز السقف النووي.
من أخطر مؤشرات التأزم الشديد، أن الصراعات التي تندلع لا تنتهي بسرعة، ويتعذر فيها الحسم، فالغالب والمغلوب كلاهما ينزف، مثلما هو الحال في الحرب الدائرة في أوكرانيا، أو المفتوحة من إسرائيل في الشرق الأوسط، وغيرها من الأزمات الأخرى. وفي ظل العجز الدولي، ستتحول هذه الصراعات إلى معارك تمهد لحرب نووية شاملة، قد تكون قريبة، وإن توهم البعض أنها مستبعدة أو مستحيلة الوقوع.
0 تعليق