فرصة الصين.. في مواجهة قرارات ترامب - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ربما تفاجأت الصين قبل ثماني سنوات بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، لذا كان الضرر عليها كبيراً حين بدأت إدارة ترامب السابقة فرض قيود وعقوبات على بكين وشركاتها عام 2018، لكن هذه المرة لم يكن مفاجئاً عودة ترامب إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات من حكم إدارة جو بايدن.
إن الصين لم تركن خلال هذه الفترة إلى أن علاقاتها مع أمريكا استقرت نسبياً في النصف الثاني من رئاسة بايدن، بل عملت طوال السنوات الماضية على التحسب لتصعيد الصراع التجاري والاقتصادي بين البلدين، وسنت السلطات الصينية تشريعات مختلفة تسمح لها بفرض عقوبات انتقامية على الدول والشركات الأجنبية.
بغض النظر عن الجدل الدائر بشأن وعود ترامب الانتخابية بفرض رسوم جمركية على صادرات كل الدول لأمريكا، تصل في حالة الصين إلى نسبة 100%، وإن كان سينفذ وعوده أم سيستخدم التهديد بها ورقة تفاوض فإن بكين تستعد للأسوأ في علاقتها مع أمريكا، خاصة وإن ترشيحات ترامب لمناصب إدارته المهمة تبدو كلها من «صقور» بعضهم أشد عداء للصين من ترامب نفسه.
ما يقلق ترامب، وأمثاله من الشعبويين في أمريكا، العجز الهائل في الميزان التجاري الأمريكي مع الصين والذي يقارب 150 مليار دولار. وبالتالي فاحتمالات الصراع بين أكبر اقتصادين في العالم واردة بقوة مع تبعاتها على بقية دول العالم.
تدرك حكومة الرئيس الصيني تشي جين بينغ أن اقتصاد البلاد في وضع ليس بالجيد الذي يسمح لها بمناورات كبيرة في صراع مع أكبر اقتصاد في العالم، ويمثل السوق الأمريكي أكبر منافذ الصادرات الصينية بما يدعم نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم الآخذ في التباطؤ مؤخراً، إذ يواجه الاقتصاد الصيني تحديات تتمثل في أزمة القطاع العقاري الذي يشكل نحو ثلث الاقتصاد في السنوات الثلاث الأخيرة، هذا إلى جانب تراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين فيه.
لكن ذلك لن يمنع بكين من استخدام ما استعدت به للرد على مزيد من الرسوم والقيود الأمريكية، سواء بإجراءات رسوم وقيود مضادة أو وضع شركات أمريكية كبرى على قوائم سوداء للشركات الأجنبية التي تهدد الأمن القومي الصيني، وسيحرم ذلك تلك الشركات من سوق هائلة في الصين كما يمكن أن يؤثر على أعمالها العالمية بشكل عام.
لا شك أن الصينيين يدركون حجم الضرر على اقتصادهم حتى إن تمكنوا من الإضرار باقتصاد أمريكا عبر إجراءات انتقامية، لذلك سيفضلون التفاوض مع إدارة ترامب وحتى تقديم تنازلات تتضمن خفض العجز التجاري وزيادة استثماراتهم المباشرة في الاقتصاد الأمريكي، لكن من غير الواضح ما الذي سيرضي إدارة ترامب كي توقف الصراع أو تخفف من حدته.
على الرغم من كل هذا، هناك فرصة للصين، وربما الهند أيضاً وغيرهما، للاستفادة بشكل كبير من الإجراءات الحمائية والانعزالية التي تعتزمها إدارة ترامب القادمة. فاحتمال أن تفرض أمريكا رسوماً جمركية على صادرات كل شركائها بنسبة ما بين 10 و20% قد تجعل كل الشركاء بما فيهم دول الاتحاد الأوروبي تعتبر أمريكا شريكاً تجارياً واقتصادياً غير موثوق به، وفي هذه الحالة ستبحث تلك الدول عن شركاء تجاريين آخرين، وهنا يمكن أن تعمق علاقاتها مع الصين وغيرها من القوى الصاعدة.
وستجد كثير من الدول الصاعدة والنامية في تعزيز علاقاتها بالصين شروطاً أفضل من التعامل مع الولايات المتحدة، خاصة وأن بكين لا تربط أي تعاون اقتصادي بشروط سياسية أو غيرها – على الأقل حتى الآن، ثم إن الصين بدأت في السنوات الأخيرة تحصن صناعاتها التكنولوجية من الانكشاف الخطر على العلاقات مع أمريكا والغرب وأصبحت تطور قدراتها التكنولوجية الذاتية في مجالات حديثة بما يقارب الغرب ويفوقه.
ثم إن الصين، فضلاً عن هيمنتها على عدد من سلاسل التوريد المهمة عالمياً، لديها أيضاً مصدراً مهماً لموارد أساسية مثل العناصر النادرة التي تدخل في صناعات التكنولوجيا المتطورة وغيرها. وفي حال توسع إدارة ترامب في حربها التجارية والاقتصادية مع الصين والعالم تزيد فرصة الصين للاستفادة من كل ما لديها في تعميق انعزالية أمريكا بسبب سياساتها الحمائية.
قد تبدو فرصة الصين تلك احتمالاً يغلب عليه «الترف النظري» حالياً، لكن يمكن أن تصبح فرصة حقيقية إذا أخذنا في الاعتبار أن ترامب ومن يختارهم للعمل معه في الأغلب يهمهم بالأساس إيصال شعور بالإنجاز و«الشطارة» في العلاقة مع العالم، وقد يؤدي ذلك إلى فورة إيجابية في الأسواق الأمريكية وبين الناس.
مع ذلك، قد لا تكون الصين نفسها مستعدة حالياً لهذه الاستفادة المحتملة من فرصة سياسات أمريكا الانعزالية مع العالم، فرغم بعض المحاولات الخجولة للعب دور إقليمي ودولي في السنوات الأخيرة إلا أن بكين ما زالت تركز على تطوير قدراتها وإمكاناتها الذاتية وإصلاح الاختلالات الهيكلية في اقتصادها أكثر من التطلع لدور عالمي كبير.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق